الإجراءات الاحترازية في موريتانيا تراجعت باستمرار خلال الاسابع الأخيرة حتى لم يبق لها أثر أو يكاد. التباعد الاجتماعي حلت محله التجمعات الكثيرة والتواصل الاجتماعي المكثف بكل اشكاله وأجناسه: حفلات الزواج و"الأسماء"، مراسيم العزاء، اللقاءات السياسية والثقافية... والإجراءات الوقائية الأخرى (التعقيم، حمل الكمامات...) اختفت هي الأخرى بدرجة شبه تامة. والحملات الإعلامية والتحسيسية ضد الوباء توقفت منذ أسابيع. حتى أن وزارة الصحة، فضلا عن تعليق النقطة الصحفية اليومية التي أعلنت عنها، علقت أيضا نشر التقارير اليومية حول الوباء على بوابتها الالكترونية. آخر تقرير حول الموضوع على موقعها الالكتروني يعود إلى سبعة أيام خلت، أي: إلى يوم الثلاثاء الماضي.
اسئلة تطرح نفسها...
وقد يتساءل المرء عن دوافع هذا النوع من التعامل الجديد مع الجائحة: هل مرض فيروس كورونا زال خطره ولم يعد معديا؟ أم اللامبالاة والإهمال حلا محل اليقظة الكبيرة والحزم والصرامة التي تحلينا بها مع بداية ظهور الوباء؟ أم أن عوامل جديدة تم إخذها بعين الاعتبار وغيرت الاستراتيجية الصحية المتبعة في البلد لمكافحة الجائحة؟ وما هي تلك العوامل؟
الاحتمال الأول غير وارد على الإطلاق: الوباء ينتشر في العالم بوتيرة متسارعة، بل يشهد الآن طفرة ثانية وفي هذا الإطار تسجل بلادنا كل يوم حالات إصابة جديدة كثيرا ما تعد بالعشرات. أما فيما يعني اللامبالاة والإهمال فإنهما من السمات البارزة للسلوك العام لدينا، الفردي والجمعي. وطبعا لهما أثر فعال في انتشار العدوى.
حصانة القطيع: نتائج وخيمة وكلفة من الفحوص بعيدة المنال...
في بعض الحالات انتشار العدوى قد يكون هو المطلوب. لأنه توجد نظرية تقول بأنه في حالة انعدام لقاح ضد وباء ما، فينبغي إتباع خطط واستراتيجيات تقوم على مبدأ المناعة الجماعية أو "مناعة القطيع" (herd immunity). بمعنى أنه يجب ترك المرض ينتشر بنسبة عالية حتى يصيب أكثرية الناس ( 60% على الأقل من السكان). وحينها، فسيتم كسب مناعة جماعية ضد الفيروس تقي الجميع: من اكتسبوا مناعة بشكل مباشر لما أصيبوا وكذلك غير المصابين.
وقد جربت منذ البداية هذه النظرية في بريطانيا وفي السويد وفي مناطق أخرى من العالم. ولم تكن جيدة، بل وخيمة النتائج لحد الآن، مما دفع إلى التخلي عنها في اكثرية البلدان. ورغم ذلك، فإن بعض الخبراء في مجال الصحة العمومية ومكافحة الأوبئة يتشبثون بها.
هل سلطاتنا الصحية والقائمون على استراتيجية مكافحة كوفيد 19 في البلد صاروا يعملون على ضوء منطق "مناعة القطيع" ؟ فإن كان الأمر كذلك، فلماذا لا يعلنون ويشرحون هذا التقلب في الرؤية الإستراتيجية؟ أم أنهم اعتبروا ان "التعايش مع الوباء" يقتضي غض الطرف عن عدم التقيد بالإجرءات الاحترازية واكراهاتها؟
ونحن نميل إلى الاحتمال الثاني خاصة أن بلادنا بعيدة كل البعد من تحقيق كمية الفحوص الكبيرة جدا، التي تستدعيها إستراتيجية "مناعة القطيع" حيث تتطلب القيام بآلاف فحوص الكشف (التأكيد) يوميا، بينما المعدل اليومي لما اُجري منها في بلادنا خلال الأيام الثمانية الأخيرة يقتصر على 213.25 فحصا.
... النتيجة والنتيجة فقط...!
وأيا كانت الإستراتيجية المتبعة عندنا، فإن الوباء ينتشر لا محالة بيننا بنسبة أعلى كثيرا مما نتصور ودون أن نعلم. وعسى ربنا أن يجعل في ذلك خيرا وحصانة منه ومن غيره من الأوبئة والآفات المرضية..
وقد لا يهم الناس كثيرا أو جلهم تعليل ومعرفة من أين جاء الفرج طالما أنهم سلموا من خطر كثير منهم لا يولونه كبير اهتمام. وكذلك، فبالنسبة لنا نحن معشر المستهلكين للخدمات الطبية المتابعين للتطورات المخيفة للجائحة، فالمهم حقيقة عندنا هو: النتيجة والنتيجة فقط. نتيجة تنقذنا من الخطر بأقل خسائر ممكنة، مادية وبشرية. هل نحن على طريق يوصلنا الهدف ؟ وأين نحن في هذا المجال من المقاييس الدولية للوباء ومن الاوضاع في الدول المجاورة؟
(يتواصل...)
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: