الموجة الثانية من جائحة كوفيد 19 التي تعيشها بلادنا منذ أكثر من شهرين ما زالت قائمة رغم تراجع معتبر في نسبة الفحوص الموجبة خلال الأسابيع الأخيرة؛ ولا شك أن فرض حظر التجول له دور إيجابي في هذه النتيجة رغم أن العدوى ما زال ينتشر بشكل مقلق، بل إن عوامل خطر جديدة تهددنا.
منحنيات وبائية مرتفعة ومتذبذبة، والسلالات الجديدة تقترب
التحسن الملاحظ في منحنى العدوى، والذي سبقت الإشارة إليه، ما زال دون المستوى المطلوب بكثير ولم يستقر مساره على حال.
فنسبة الفحوص الموجبة خلال الأسبوعين الأخيرين تتذبذب على العموم بين 4% و6 %، أي أنها في جميع الحالات تفوق مرتين أو ثلاث مرات عتبة 2% التي تعتبر بمثابة مؤشر على السيطرة على مسار الوباء.
وعلاوة على هذه المنحنيات الوبائية المرتفعة والمتذبذبة، فإن سلالة الفيروس، التي ظهرت في بريطانيا، أعلِن عن اكتشافها منذ ساعات على مقربة من البلد: في السنغال؛ وكانت قد ظهرت قبل ذلك في دولة غامبيا كما ظهرت فيها سلالة جنوب افريقيا؛ ومن المعروف أن السلالتين أكثر عدوى من الفيروس الأصلي : بنسبة 50 إلى 70%؛ وأن السلالة البريطانية أشد ضررا أيضا على المصابين بالمرض. كما قد أعلنت السلطات الصحية المغربية منذ عشرة أيام عن ظهور أول حالة من السلالة البريطانية في المملكة مما أدى إلى اغلاق الحدود المغربية في وجه المسافرين من وإلى بريطانيا وافريقيا الجنوبية.
ونظرا لهذه المعطيات، التي تمتاز باقتراب السلالتين الجديدتين من بلادنا من جهتي الشمال والجنوب، فإن الوباء قابل للانتشار بدرجة مخيفة في منطقتنا، مما قد تكون له – لا قدر الله– تداعيات مضرة على البلد، إن نحن لم نعزز الإجراءات الوقائية على الحدود وفي الداخل. وطبعا فإن الإبقاء على حظر التجول ضروري، بل ينبغي تعزيزه، والحث على التقيد بالإجراءات الاحترازية والتباعد الاجتماعي.
كما ينبغي اتخاذ إجراءات استباقية وعاجلة بغية الحصول على وسائل وآليات الفحص الكفيلة بكشف السلالات الجديدة أو التي قد تظهر لاحقا. ويبدو أن الأمر ليس بسيطا، إذ يستدعي تقنيات معقدة مثل التسلسل الجيني (Séquençage du génome) للفيروس. وليس من اليسير اقتناؤها. فهي لا تتوفر إلا في بعض البلدان. فالسنغال مثلا لا تتوفر فيه لحد الآن رغم كونه يأوي فرعا من مختبر معهد باستير (Institut Pasteur) الفرنسي ورثه عن العهد الاستعماري.
وحتى في فرنسا نفسها، فإن اجراء هذا النوع من التحاليل المخبرية يقتصر على عدد محدود من المختبرات ويأخذ وقتا إضافيا على المدة التي تستغرقها فحوص تشخيص الفيروس الأصلي المعروفة ب "بي سي ار" (PCR).
وعلى بلادنا أن تبحث بسرعة عن طرق وآليات تسمح بتجاوز المعضلة بأقل كلفة. وطبعا فالسبيل في هذا المنحى يكمن في تنشيط قنوات التعاون الطبي والعلمي مع الشركاء والدول الصديقة.
الدخول بسرعة في سباق اللقاح...
وموازاة لتعزيز الإجراءات الاحترازية، وللعمل على الحصول على وسائل التشخيص اللازمة لكشف سلالات الفيروس الجديدة والمتجددة، فينبغي أيضا الدخول بسرعة وفعالية في معترك التطعيم ضد الوباء. فالسباق شديد على هذه الجبهة، وكذلك العثرات. كما تدل على ذلك تحذيرات منظمة الصحة العالمية من الهوة الكبيرة في هذا الميدان بين الدول الفقيرة والدول الغنية. وحتى هذه الأخيرة، فمن الملاحظ أنها تلقى أحيانا صعوبات لا يستهان بها فيما يتعلق بتموينها باللقاحات، كما هو الحال الآن بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي التي تعيش أزمة ثقة تخيم على علاقتها مع المختبر الأمريكي بفيزير (Pfizer) بسبب عجز هذا الأخير عن الإيفاء بالتزاماته القاضية بتزويدها بجرعات كافية من اللقاحات ابرمت معه اللجنة الأوروبية صفقة بشأنها.
وهذا أمر قد يكون مقلقا فيما يعني حصول دول فقيرة كبلادنا على اللقاحات في أجل سريع. لذلك ينبغي تكثيف الجهود حتى لا نتأخر كثيرا في هذا المجال. علما أن دولا افريقية وعربية بدأت في اقتناء تلك السلعة الصحية الغالية نذكر منها المملكة المغربية على سبيل المثال، حيث دشن اليوم الملك محمد السادس حملات التلقيح بتلقيه شخصيا أول جرعة من اللقاح ضد كوفيد 19. ويبدو أن الجزائر على وشك البداية. وكذلك فإن تونس لن تتأخر عنهما هي الأخرى. وعلى موريتانيا أيضا أن تسارع ولا تدخر جهدا حتي لا نتأخر عن الركب المغاربي.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: