ابتداء من الآن، سنحاول ما استطعنا لذلك سبيلا القيام بدراسة مقارنه لبرامج مترشحي الرئاسيات الموريتانية 2019، مركزين على خلفياتها وما يستشف من قراءة ما بين السطور. وننبه القارئ إلى إننا لا ندعي الموضوعية ولا التجرد إن كانا يعنيان الحياد او تمويه الرأي، بل على العكس : اتخذنا منذ البداية موقفا داعما لأحد المتنافسين أعلناه بوضوح.. مرارا وتكرارا.. وما زلنا عليه. ولا شك أن ذلك سيكون له صدًى بيِّنٌ على ما نكتبه ونقوله.
وقد قررنا تدشين العملية بالورقة التالية المتعلقة أساسا ببعض تقنيات الإيضاح المعلوماتية (infographie) التي اطلعنا عليها في برنامج سيد محمد ولد بوبكر.
البوم تطغى عليه "الأنا"...
بدأت منذ ساعات أقرأ في البرنامج الانتخابي لمرشح الرئاسيات السيد سيد محمد ولد بوبكر. وفور ما شرعت أتصفحه، شد انتباهي كونه استعمل عشرات الصور الفوتوغرافية خلافا لأهم منافسيه، "مرشح الإجماع الوطني"، الذي لم يوظف سوى صورة واحدة نشرت على صفحة جفير الكتيب الذي تضمن برنامجه. بينما حاول مرشح "التغيير المدني" توصيل رسالته إلى الناخبين، مستثمرا وزن الكلمات معزَّزا بوقع الصور، كما هو معروف عند خبراء الاتصال، عملا بما توحي به العبارة الفرنسية : le poids des mots et le choc des images. بلغ العدد الإجمالي للصور المذكورة 28 صورة تخللت فقرات النص المكتوب كجزء من الوثيقة الرسمية المتضمنة للبرنامج الانتخابي.
لكنني بقيت حائرا بشان هذا الخليط.. لأنني لم اقتنع بأن الصور المدرجة رغم كثرتها أتت فعلا بقيمة مضافة لما ورد في النص. بل على العكس: خُيل إلي أن النتيجة كانت على نقيض ذلك.. لما انتابني شعور بالاستغراب من كون أكثر من ثلثيها (68 %) تعرض ولد بوبكر في فترات متفرقة من حياته. أي أنها بمثابة "البوم" شخصي لا يأتي بفكر جديد. وكأن المعني أو مستشاريه لهم رغبة في هذا النوع من الاستعراض التقليدي للذات والاستمتاع به. ففاجأني الأمر معتبرا أن الرجل، حسب ما اعلم عنه عن طريق بعض العارفين والمعجبين به، إنسان طيب.. متواضع وبسيط.. بعيد كل البعد من أي ميول قد يوصف بالغرور بالنفس أو بالنرجسية أو بالتأثر بثقافة ومسلكيات عبادة الذات وجنون العظمة التي تقود تصرفات المستكبرين والدكتاتوريين.
فتساءلت : لماذا يقبل مسؤول مدرك للأمور، وحسين الخلق، بهذا المستوى، بأن تطغي "الأنا" بدرجة مفرطة على برنامجه الانتخابي لحد يعطي المكانة الأولى للشكل على حساب المضمون؟ مما قد يوهم القارئ بأن المترشح يتوارى بقصد أو غير قصد عن صراع الأفكار.. تاركا الفرصة سانحة في ساحة معركة المضمون والاقتراحات أمام خصمه ولد الغزواني الذي لم يبخل جهدا في هذا السياق وحقق فيه مكاسب هامة على حساب منافسيه.. سواء من حيث السبق الزماني والمكاني، أو من حيث جودة الخطاب وعمقه وحسن تقبله من لدن المواطنين.
... وهل تغيب الصورة "المعبرة".. وننسى معاوية ؟!
كنموذج مصور من نشاطاته الدبلوماسية الكثيرة، اكتفى "مرشح التغيير المدني" بنشر صورتين له: واحدة مع الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كيمون.. والثانية مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات رحمه الله. ولا يخامرنا شك في كون اختياره لرفقة المرحوم أبو عمار ليس اعتباطيا. فهو رد مموه وغير مباشر على صورة أخرى كثر تداولها في البلد وربما خارجه بشكل لم يسبق له مثيل منذ إعلان ترشح السيد سيد محمد ولد بوبكر للرئاسيات. فكلنا نتذكر عاصفة الاستنكارات والاتنقادات التي أثارتها صورة اعتبرها مناوئو "التطبيع" مع اسرائيل هم وخصوم ولد ببكر ومنتقدوه "معبرة" نوعا ما عن رؤيته "المرفوضة" للقضية الفلسطينية وقضايا الأمة العربية. وهي صورة له مع سفير إسرائيل في نواكشوط يعود تاريخها إلى الفترة التي كان فيها ولد بوبكر رئيسا للوزراء في عهد الرئيس معاوية ولد سيد احمد ولد الطايع.. فترة امتازت بإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين.
هل عرض صورته مع الزعيم الفلسطيني الراحل تداوي الأضرار الناجمة عن تلك الصورة المثيرة للجدل؟ أم على العكس: أنها تذكر بحقبة من ماض سياسي يريد الرجل نسيانها؟
ومن جهة اخرى، هل عدم ذكره من قريب ولا من بعيد للرئيس السابق ولد الطايع يدخل في إطار نفس المحاولة الرامية إلى نسيان تلك الحقبة ؟ وإن كان الجواب "نعم"- كما نتصور- فما هو دور أو ذنب معاوية في الانتخابات الراهنة، حتى يحاول أحد من ابرز مقربيه السابقين أن يُنسِيَ الناس فيه؟ ألم يتكفل ولد الطايع نفسه بالأمر منذ اربعة عشر عاما حين اعتزل السياسة ونأى بنفسه بعيدا عنها وعن موريتانيا منذ الاطاحة به في بداية شهر أغسطس ٢٠٠٥ ؟!
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: