منذ اليوم الأول قالت السلطات الإسرائيلية وكررتها مرارا:
"لا وقف للحرب ولا مفاوضات قبل إطلاق الرهائن ".
في الطرف المقابل، كانت حماس تقول وتكرر:
"لا مفاوضات قبل توقيف الحرب وانسحاب قوات الاحتلال من غزة."
هل تغير جذريا الموقف؟
لا أعتقد. ما كان يردده ويبديه كل من الخصمين المتحاربين من تشدد ليس سوى مناورة تهدف لتحضير المفاوضات حيث حاول كل منهما رفع السقف كثيرا تمهيدا لها، ولو أن الحسابات مختلفة بين الطرفين. هل نجحا؟
الخسائر العسكرية لدى حماس غالية الثمن بدرجة غير مسبوقة، ولا شك أنها كانت تتوقعها، غير أنها لم تَمتْ ولا تبدو على وشك الهلاك. لكنني أتساءل: هل هي جعلت حسابا مسبقا لتهجير السكان الفلسطينيين؟
في الجانب الاسرائيلي الخسائر السياسية لا تقل كلفة. صورتها تضررت بشكل لا يمكن الصبر عليه. خاصة أن هدفها العسكري المزدوج المعلن، الرامي إلى "القضاء على حماس وإلى تحرير الرهائن"، لم يتحقق. "حرب إبادة وجرائم حرب" هي السمات التي تتصف بها العمليات العسكرية الإسرائيلية لدى الرأي العام العالمي، لحد أحرج كثيرا حلفاءها الأمريكيين والغربيين ودفعهم إلى الضغط عليها. على عكس ذلك، نالت المقاومة المسلحة الفلسطينية مصداقية كممت أفواه "المطبعين" وجرتهم إلى إظهار نوع من الإبتعاد عن إسرائيل.
ونتيجة لهذا كله، فإن أيام الحكومة المتطرفة الإسرائيلية على محك من الصعب عليها أن تتجاوزه بسلام: بدأ العد التنازلي لنهايتها، ولن تطول مدته. في حين، شهدت القضية الفلسطينية تحريكا هي في أمس الحاجة إليه منذ فترة طويلة.
لكن كيف ستتعامل السلطة الفلسطينية مع الأمر، هي والفصائل التي لا تتبنى الحلول العسكرية ضد إسرائيل؟
يبدو أن الأمريكيين يعولون عليهم مقابل ثمن سياسي يقدمونه لهم مقابل سحب البساط من تحت حماس والمقاومة المسلحة. ويبقى لهؤلاء وللامريكيين أن يحددوا معا ويدفعوا الفاتورة التي تفي بالغرض المطلوب. ويكاد يكون من المستحيل أن ينجحوا في ذلك، كما تعلمنا اتفاقيات أوسلو منذ ثلاثة عقود. مما يشي بأن الحرب مع إسرائيل بعيدة من أن تضع أوزارها. متى وكيف سيكون "طوفانها" القابل؟
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)