حول منهج الرئيس غزواني في تعيين المسؤولين السامين في الدولة : شهادة من رفيق له في السلاح...

كغيره من الزعماء والقادة، السياسيين والإداريين، يواجه الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إشكاليات لا يستهان بها فيما يخص اختيار معاونيه الرئيسيين والموظفين السامين في الدولة. غير أن هذا النوع من التحديات ليس بالجديد عليه: عاشه بكثافة وبدون انقطاع منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن حين  تولى إدارة الأمن الوطني من سنة  2005 إلى عام 2008؛ وبعد ذلك خلال قيادته المظفرة للجيش الوطني طيلة ما يزيد على عشر سنوات .

وكان من حسن حظي أنني رافقته في هذه المرحلة الثانية المليئة بالتحديات والثرية بالثمار الطيبة بوصفي ضابطا ساميا عمل مباشرة تحت إمرته وفي مجالات حساسة:  تحضير القوات وإدارة العمليات، التكوين، علاقات التعاون العسكري مع الشركاء والدول الصديقة... وكنت أتابع عن قرب تعامله مع المسؤولين الذين لي بهم علاقة مهنية مباشرة في الميادين التي اشتغل فيها. وكنت أحيانا أقدم له اقتراحات بطلب منه أو بمبادرة مني فيما يتعلق بتوظيف بعض الضباط.

وذات مرة أفصح لي بأدب- كما هي عادته- عن رغبته في تعيين مسؤول في وظيفة عسكرية حساسة جدا حددها. ففهمت قصده واستجبت لطلبه، قائلا :

-"اقترح عليكم العقيد فلان"، وأنا اعلم أنه  راض تماما مثلي عن المعني ومعجب به بدرجة كبيرة.

بعد تأن، رد علي مترددا:

 -"صحيح أنه الرجل المناسب للمكان المناسب. هذا إن كانت المعايير لدينا تقتصر على الكفاءة المهنية والالتزام. لكن يجب أن لا ننسى المسائل الأخرى وعلى رأسها الأمور الإنسانية والظروف الشخصية كحالته الأسرية وأثر تكليفه بهمة شاقة بهذه الدرجة على كل ذلك."

تذكرت الآن تحفظ قائد أركان الجيوش آنذاك من اقتراحي، أو على الأصح احترازه الوارد تماما، وهو اليوم رئيس الدولة.. وأنا ألاحظ واندهش من كون بعض الساسة والمشككين يراقبون أي تصرف يصدر عنه ويضعونه تحت المجهر بحثا عن نواقص أو مآخذ أيا كان نوعها. وكأنهم لا يعلمون أن الرجل يتوفر على أدوات رقابة ذاتية أدق وأحسن بكثير مما لديهم، اصطفاه الله بها دون آخرين كثيرين. رزانته وحزمه، قوة الإصغاء والتأني، الاعتدال والوسطية...  خصال من أهم ملامحها. وسوف يكون تعيين المسؤولين والموظفين السامين في الدولة من أعظم مجالات تشغيل تلك الوسائل بشكل يضمن التوازنات الضرورية ويفي بالمتطلبات المهنية  المرجوة وبتأدية الهمام المنوطة بالمعنيين.

 وقد لا تتفق خياراته مع ما يرجوه بعض المواطنين والناس. ولكن ينبغي أن نعرف جميعا أن السفينة لا يقودها إلا قبطان واحد وهو المسؤول الأول والأخير عن سلامة مسارها. وبقية البحارة  عون له: ينفذون ما يأهرهم به وما يطلب منهم. وآذانه صاغية طبعا لطواقمه ولغيرهم من المسافرين على متن الباخرة، لكن القبطان يظل وحده هو صاحب القرار. والجميع، طواقم ومسافرين ينصاعون لقراراته ويعملون ما بوسعهم خدمة لها.

وسفينتنا- موريتانيا- عهد الناخب الموريتاني بقيادتها للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وخوله الدستور سلطة اختيار طواقمه. ولا داعي للضغط عليه  في هذا الشأن. وحتى إن حاول البعض إقحامه واحراجه معلنين استياءهم، بطرق مبالغ فيها أحيانا وغير لائقة، من تعيين فلان أو فلان في الوظيفة كذا أو كذا، فإن هؤلاء يسوؤون أولا وأخيرا إلى أنفسهم وهم الخاسرون. ونسأل الله العلي القدير أن يوفقهم إلى ما فيه الصواب لئلا تكون لاخطائهم وزلاتهم عواقب سيئة على قوم آخرين ولا على البلد.

وعلى كل حال، وأيا فعل الناقمون والمشككون، فإن الكلاب تنبح .. والقافلة تسير.

عقيد متقاعد/ البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)

تصنيف: 

دخول المستخدم