ظلت أنظار بعض الموريتانيين، افرادا ومنظمات، الحاملين لراية "حقوق الإنسان"، منصبة نحو الخارج، عساهم يلقون آذانا اجنبية صاغية، تكافئهم "بسخاء" على جهودهم "الطيبة"؛ غير أن العملية كثيرا ما لا تخلو من مزايدات وعمليات "تسويق" سياسية مريبة. ولا شك أن شوائبها الأخلاقية والسياسية لن تتوقف ولن تزول بسهولة.
ومن المعضلات الرئيسية كون عبارة "حقوق الإنسان" صالحة لأن توظف وتستخدم بدرجة مفرطة، فهي مطاطية، يتغير مضمونها وهدفها من مستخدم لآخر: طابعها الأخلاقي ذو القيمة المضافة العالية يدفع إلى توظيفها كأداة دعائية فعالة يستغلها بعض السياسيين بكثافة بغية بلوغ مآربهم واهدافهم المثيرة للجدل والتي قد لا تكون سليمة في حالات كثيرة.
وبديهي أن هذا الاستخدام السيئ لحقوق الإنسان، لا يخدمها بل على العكس، يشوه المفهوم ومدلوله السليم المتمثل في "المعايير التي تعترف بكرامة جميع البشر وتحميها". كما يحَول الأنظار عن النواقص الحقيقية والعقبات في هذا المجال. وهي منتشرة على نطاق واسع عبر المعمورة، خاصة في البلدان التي ما زالت دولة القانون فيها في طور التأسيس والبنيان، لئلا نقول ضعيفة.
وكما هو الحال في الدول النامية، فإن بلادنا لا تخلو من نقاط ضعف متجذرة في المجتمع. فبسبب تركيبته التقليدية و"الشرائحية"، إضافة إلى عوامل الحداثة والتغيير العالمية والتكنولوجية التي تأتيه وتغزوه من كل صوب وحوب، فإننا نمر اليوم بمرحلة انتقالية في مجال حقوق الإنسان عسيرة المخاض. فمؤسساتنا ومنظماتنا السياسية والاجتماعية والثقافية لديها الكثير مما تفعله في هذا المجال: يجب عليها أن تعمل بجد وحزم على زرع وتنمية روح المواطنة والعدالة والمساواة. والسير بخطى ثابتة وحثيثة في هذه العملية التربوية "الثلاثية الأبعاد" هو أفضل ضمان لحقوق الإنسان.
و في هذا السبيل، يأتي مشروع المرسوم الذي أقره مجلس الوزراء يوم أمس، القاضي بإحداث "جائزة وطنية لحقوق الإنسان والتماسك الاجتماعي". وبموجبه "سيتم منح هذه الجائزة كل سنتين للجمعيات والشخصيات المستقلة المعترف بجهودها المكرسة لترقية وحماية حقوق الإنسان واللحمة الاجتماعية"، حسب نص بيان مجلس الوزراء.
ومن السهل أن نقرأ بين السطور أن هذه الجائزة تهدف إلى تنمية المواطنة والضمير الوطني.
وبنفس المناسبة، يتجلى نضج ووعي الرئيس غزواني وفريقه للرهانات الجيوسياسية المتعلقة بالموضوع، من خلال تعزيزهم للاسلحة الموريتانية المستخدمة في ميدان ضخم من "المعارك الناعمة" التي تدشن القرن 21 : ألا يشكل فعلا، استغلال "حقوق الإنسان" ووضعها على الواجهة أرضية خصبة ومميزة للسباق والمنافسة على الساحة الدولية في ظل ثورة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات !
حقوق الإنسان أصبحت أعظم معركة على كسب رهان الصورة اليوم، لا تنجو منها ساحة سياسية ولا دولة . والسلطات الموريتانية تقدم رسالة من خلال المرسوم الآنف الذكر توحي بأنها على دراية كاملة بالرهان الجيوسياسي وأهميته. ومن المتوقع والطبيعي، أن تذهب إلى أبعد من ذلك في الحرب الكبرى حول رفع هذا التحدي العالمي، والذي يجب مضاعفة وتكييف الجهود فيه باستمرار؛ معركة تقوم على ترسيخ الثقافة والمسلكيات الجمعية والفردية لحقوق الإنسان، بعيدا عن المزايدات والمناورات المريبة الهادفة إلى تشويه صورة البلد أو النيل منها.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: