بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على النبي الكريم
السيدات والسادة أعضاء جمعية الأورو موريتانية في الجمعية الوطنية الفرنسية
أود في مستهل هذا الخطاب أن أعرب لكم عن خالص شكري وعظيم امتناني لهذه الدعوة الكريمة التي شرفتموني بها بصفتي مناضلا حقوقيا نذر نفسه للدفاع عن المستضعفين ونصرة القضايا العادلة، وبوصفي رئيسا للرباط الوطني للحقوق وبناء الأجيال المدافع عن هذه المبادئ السامية بكل إخلاص ومسؤولية في إطار القوانين والنظم المعمول بها في بلادي موريتانيا الحبيبة التي تسعى جاهدة لكسب الرهانات التنموية وتقف اليوم بشموخ وعيناها على المحيط والصحراء في مواجهة قوى الإرهاب والظلامية والتطرف.
السادة والسيدات أعضاء الجمعية
إنني إذ أقف على هذا المنبر التاريخي، أدرك كامل الإدراك، رمزية المكان، وخصوصية الزمان، واستحضر التضحيات الجسام التي قدمها الفرنسيون والفرنسيات دفاعا عن القيم الإنسانية السامية متمثلة في العدل والحرية والكرامة وإرساء قواعد الحكم الرشيد وصون الحريات الفردية والجماعية منذ عصر التنوير إلى يوم الدنيا هذا، ولست أشك أنكم ستظلون أوفياء لهذه المبادئ وحافظون لها الدهر ماحييتم، غير أنني في المقابل أحمل إليكم عتبي وعتب أجيال في بلادي عاشت في ظل الجمهوريات الفرنسية الثالثة والرابعة وسنوات من الجمهورية الخامسة وعقودا بعد ذلك من سنوات الاستقلال أورثتموها صحراء قاحلة يكاد يقتلها الظمأ، لم تستثمروا في عقول أبنائها ولا في حقول وهادها، ولم تتركوا فيها منشأة حيوية واحدة، مما جعلها غداة الاستقلال أشبه ما تكون ب" الدولة الخديجة Etat Avant-Terme وهو وضع نعاني اليوم من تبعاته الاقتصادية والاجتماعية ونعتقد جازمين أن الدولة الفرنسية بمالها من إمكانيات اقتصادية كبيرة ووزن محسوس على المستوى العالمي ومصالح إستراتيجية في المنطقة مدعوة إلى تحمل مسؤولياتها لتلافي ذلك التقصير التاريخي بتوجيه الاستثمارات الكفيلة بالحد من بطالة الشباب وتطوير المرافق الخدمية وتعزيز ثقافة التعايش والسلام والتنمية في موريتانيا التي هي بوابة الصحراء والساحل وعينها الساهرة في مواجهة التنظيمات الإرهابية.
السادة والسيدات
إن العلاقات الموريتانية الفرنسية قديمة وعريقة وراسخة عبر العصور وقد مرت بمنعطفات هامة بدء بالمراحل الكشفية التجارية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر وتاليهما والتي توجت بمعاهدات ومواثيق معروفة، ومثلت الحقبة الكبولانية منذ نهاية القرن التاسع عشر بداية وضع أسس الدولة الموريتانية بحدودها الحالية تقريبا، ويومها حاربنا الاستعمار الفرنسي بكل ما نملك من وسائل، ولسنا ملامين في ذلك، كما حاربتم، أيها الفرنسيون، الغزو النازي ولا زلتم تعتزون بتلك الحقبة من تاريخكم وهو ديدن الشعوب التي تحترم ماضيها، غير أنا بعد ذلك بنينا من جسور السلام ما يحجب غبار الحرب والحقد والكراهية على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والتطلع لمستقبل أفضل.
السادة والسيدات
تطبيقا لمقتضيات دستور الجمهورية الفرنسية الرابعة الصادر في السابع والعشرين من أكتوبر 1946 والقاضي بتمثيل المستعمرات في البرلمان الفرنسي وقف على هذه المنبر من قبلي النائب أحمدو ولد حرمه ولد ببانه رئيس حزب التفاهم ممثلا للشعب الموريتاني بعد فوزه على الإداري الفرنسي إيفون رازاك في اقتراع العاشر من نوفمبر 1946، وجاء بعده النائب سيد المختار ولد يحي انجاي القيادي في الإتحاد التقدمي الموريتاني المحسوب على الاتجاه المحافظ في الحركة الوطنية الموريتانية الفائز بنفس المقعد في استحقاقات السابع عشر يناير 1951 وفي المأمورية اللاحقة.
وها أنا اليوم ثالث رجل من بلدي أقف أمامكم ،سادتي أعضاء جمعية الأورو موريتانية، ممثلا للرباط الوطني للحقوق وبناء الأجيال، وهو حزب وطني يعمل طبقا للقوانين والنظم المعمول بها في بلادي، وقد ولد من رحم معاناة الشعب الموريتاني، وتراكم التقاليد البائدة من أعراف أهل الصحراء وسوء فهم بعض الفقهاء وقصور تأويلهم لبعض نصوص المدونة الفقهية، وأكثر من ذلك بفعل كيل الإداريين الفرنسيين بعدة مكاييل حينما كانوا شهود زور خلال الحقبة الاستعمارية، على بعض الممارسات الاسترقاقية التي لا يقرها ديننا الإسلامي الحنيف، ولا مواثيق حقوق الإنسان التي كان الفرنسيون حماتها في العالم، وأداروا الظهر عنها في المستعمرات الإفريقية تحت طائلة المصالح الآنية ومحاباة القيادات القبلية في إفريقيا مما أضر بشعوب القارة وأساء لسمعة بلاد الثورة الفرنسية ومفكري عصر الأنوار مونتسكيو وفولتير وجان جاك روسو وغيرهم.
أيها السادة والسيدات
لقد كان إنشاء حزب الرباط الوطني للحقوق وبناء الأجيال تتويجا لسنوات طويلة من نضال حقوقي صادق ذقنا خلاله مرارة السجون والمنافي وسهر الليالي، وجاء ثمرة لمراجعات فكرية عميقة في سياق محلي ودولي بالغ التعقيد، وفي وقت ضربت فيه الفوضى والحروب الأهلية أطنابها في الجوار العربي والإفريقي، وانهارت فيه كيانات عريقة عمرها آلاف السنين على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، وكان الأطفال والنساء والمستضعفون أول من اكتوى بنيران هذه الحروب، وتراجع صوت العقل والمنطق أمام سطوة العنف وغريزة الانتقام، فلم يكن أمامنا من خيار لبلوغ أهدافنا النبيلة والحفاظ على نسيجنا الاجتماعي متماسكا وعلى وطننا مستقرا إلا أن نغلب منطق العقل وأسلوب الحوار الهادئ والنفس الطويل في العمل السياسي، وأن نتمسك بخطنا النضالي الوطني القائم على الانتصار للفقراء والمهمشين والاحتماء للمظلومين والتمسك بالأساليب السلمية في الدفاع عن الحريات الفردية والجماعية، والتفاعل الإيجابي مع كل القوى الوطنية في الأغلبية والمعارضة لصون ما تحقق من مكتسبات والسعي لتحقيق المزيد في إطار التنافس الشريف، والاحتكام إلى إرادة الشعب عبر صناديق الاقتراع لضمان عبور هادئ إلى شاطئ الأمان و تحقيق العيش الكريم في ظل دولة القانون والمؤسسات.
وفي مجال حقوق الإنسان وترقية ثقافة الديمقراطية في موريتانيا سنظل، أيها السادة والسيدات، أوفياء للخط النضالي الذي بدأناه منذ ثلاثين سنة، مناصرين لكل القضايا العادلة ومنحازين للفئات الهشة والمحرومة، وفي مقدمة تلك القضايا:
- مناهضة الرق بكل أشكاله وصوره وصنوفه، ومآزرة ضحاياه، والدفاع عن حقوق المرأة والطفل قناعة منا بأن ذلك هوالضمانة الأكيدة لنماء مجتمعنا ولبناء أجياله القادمة على أسس قيم الأخوة والتسامح وتقديس الكرامة الإنسانية.
- الدفاع عن حقوق كافة الفئات المهمشة والمحرومة من كل القوميات والإثنيات في موريتانيا إيمانا منا بأن تعدد الألوان والأشكال في النسيج الوطني هو عامل قوة وثراء شريطة وعي قادة الرأي وأصحاب القرار بضرورة تفعيل عوامل الوصل وقطع الطريق على نوازع الفصل، وعلى المتاجرين بالقضايا العادلة في أسواق النخاسة السياسية.
- مناصرة حقوق الشغيلة الوطنية والطلاب والشباب العاطلين عن العمل حتى يحقق الجميع حلمه المشروع في العيش الكريم في ظل الأمن والسكينة والوقار، وفي إطار مجتمع منتج وواع بحقوقه وواجباته، مؤمن بالقيم الديمقراطية واعتماد الحوار السلمي الهادئ في معالجة القضايا الوطنية المصيرية.
أيها السادة والسيدات
سنظل،دوما، كما كنا أوفياء لخطنا الوطني ولهويتنا الثقافية المتعددة العربية الإفريقية الإسلامية، وسيظل أمن وطننا واستقراره ورفاه شعبه، وحماية ثرواته وحوزته الترابية في صدارة أولوياتنا، فموريتانيا بصحرائها وبحرها ونهرها، وبدورها الحضاري والفكري، وبسمرتها الفاتنة هي بالنسبة لنا عروس الأوطان وعليها تنعقد الآمال في مستقبل واعد للأجيال.
وختاما لا يسعنا إلا أن نجدد حرصنا الأكيد على أن تؤدي فرنسا دورها كاملا في تعزيز السلم والأمن والاستقرار في إفريقيا عبر اعتماد استراتيجة القوة الناعمة والمقاربات التنموية الناجعة ، وأن تتحمل مسؤولياتها التاريخية تجاه القارة، وأن تعلم علم اليقين أن الاستقرار والتنمية في موريتانيا هي صمامات الأمان لغرب إفريقيا ولمنطقة الصحراء والساحل، وللمصالح الفرنسية وأمن أوربا والعالم.
أشكركم مرة أخرى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تصنيف: