الشعب: نستقبل عيد الاستقلال الوطني هذه الأيام وقد قطعت البلاد أشواطا هامة في عملية البناء وفقا لبرنامجكم الانتخابي "تعهداتي"، كيف ترون تعزيز مبدأ الاستقلال على ضوء هذا البرنامج الشامل؟
فخامة رئيس الجمهورية: اسمحوا لي في البداية أن أغتنم هذه الفرصة الثمينة بمناسبة الذكرى الـ 61 للاستقلال الوطني الذي يعتبر حدثا بارزا، لأتقدم بأحر التهانئ وأخلصها إلى كل مواطنينا. ولا يسعني في هذا المقام العزيز على نفوسنا إلا أن أحيي أبطال مقاومتنا الباسلة لما تحلوا به من شجاعة وقدموه من تضحية غالية، في سبيل الدفاع عن الوطن، مما سمح لنا بصون حوزتنا الترابية والحفاظ على هويتنا الثقافية وتراثنا الحضاري. كما أتوجه بالشكر والتقدير إلى القوات المسلحة وقوات الأمن وكذلك لجيلنا الأول، بناة الدولة الموريتانية الحديثة ولكل من كان له إسهام من قريب أو بعيد في عملية البناء الوطني وتقوية أسس دولتنا، في ظل ظروف لم تكن مواتية في أغلب الأحيان.
إن تحقيق الاستقلال يعد حدثًا مصيريا بالنسبة للشعوب إذ يمكّنها من استعادة كرامتها وعزتها واسترجاع سيادتها. وهي مبادئ أساسية لقيام الدولة. وإدراكا منا أن هذه المبادئ تشكل مع ذلك الأساس الجوهري للكرامة الإنسانية، فقد أردنا أن يكون برنامجنا الذي زكاه الشعب الموريتاني، الإطار الحقيقي للحفاظ على تلك المبادئ وترسيخها.
لذا فقد تركز هذا البرنامج على المحاور التالية:
- دولة قوية ومتطورة في خدمة المواطن
- مناخ سياسي هادئ ومؤسسات قوية
- الحفاظ على الحوزة الترابية وحماية المواطنين
- إدارة فعالة في خدمة المواطن
- تعزيز مكافحة الفساد والرشوة
- اقتصاد مرن وماض في طريق النهوض.
فيما يتعلق بمسألة التقييم فهذا أمر يجب أن يترك للشعب ولكن من جهتي، أعتقد أنه منذ توليت مقاليد السلطة، تم اتخاذ خطوات مهمة في سبيل تنفيذ هذا البرنامج على الرغم من التحديات الطارئة التي لم تكن في الحسبان مثل جائحة كوفيد-19.
الشعب: فخامة الرئيس خلفت التراكمات في الحقب السابقة وضعية غير مريحة، الأمر الذي استدعي عملية إعادة تأسيس سلسة، هادئة وعميقة. هل تمت إعادة ترتيب الشأن العام بشكل ينصف الجميع؟
فخامة رئيس الجمهورية: لقد أردنا في البداية تحسين أداء المؤسسات لكي تتمكن من أن تكون ضامنة حقيقية للاستقرار وتحقيق العدالة. وتظل أولوياتنا الدفاع عن وحدة أراضينا وحماية مواطنينا. وفي عالم تتعدد فيه التهديدات وتتشعب، يصبح استقرارنا أحد عوامل إشعاعنا دوليا. كما أنه يضمن تنفيذ البرامج التنموية الاقتصادية. بيد أنه لا يمكن تحقيق هذا الأمر إلا في ظل احترام الحقوق وتعزيز الحريات. لذا فقد عملنا من أجل تطوير المجتمع المدني وتهدئة العلاقات بين الفاعلين السياسيين والمجتمعيين.
نحن على يقين من أنه يمكننا إيجاد معادلة منصفة ومربحة تحقق المبتغى فيما يخص المواءمة بين مؤسسات قوية وصلبة ومناخ عام هادئ.
فيما يخص فصل السلطات أكدنا أنه يشكل بالنسبة لنا خيارا لا رجعة فيه.
الشعب: في نظركم فخامة الرئيس هل مكنت هذه العملية من تصحيح الاختلالات على نحو يرسى دعائم صمود قوي في وجه مختلف التحديات التي تواجهها البلاد، أمنية، صحية، اجتماعية، اقتصادية... إلى غير ذلك؟
فخامة رئيس الجمهورية: لقد مكنت عملية التهدئة التي صبغت الحياة العامة من خلق مناخ من الثقة يبشر بوضعية تسمح بالتطلع إلى مستقبل يسوده المزيد من التفاهم، خاصة وأن شعبنا قد قدم دليلاً على قدرته على مواجهة التحديات المختلفة والحقيقية والتي تتطلب في كثير من الأحيان حلولا فورية وشاملة.
الشعب: تحدثتم كثيرا في برنامجكم الانتخابي عن الأوضاع الاجتماعية، وعن العمل على تغييرها نحو الأفضل. هل أنتم راضون عما تحقق حتى الآن؟
فخامة رئيس الجمهورية: لا يخفي على أحد أن الأوضاع الاجتماعية بشكل عام ليست على ما يرام. وجاءت جائحة كوفيد-19 لتضيف تعقيدات جديدة لم يكن أحد يضعها في الحسبان. وقد خلفت هذه الجائحة آثارا سلبية لم تسلم منها حتى الدول القوية والمتطورة جدا. وقد تطلب منا الأمر إعداد برامج فعالة، سريعة وقادرة على تقديم حلول تستجيب لما فرضته الجائحة من تحديات. وقد أطلقنا صندوقا وطنيا بتمويل معتبر لتقديم المساعدات للمواطنين كما تم تنفيذ حزمة متكاملة من الإجراءات لصالح المواطنين شملت من بين أمور أخرى تحمل أعباء المياه والكهرباء وتقديم مبالغ نقدية وتوزيع كميات كبيرة من المواد الاستهلاكية الأساسية بشكل مجاني. هذا فضلا عما تم اتخاذه في المجال الصحي من التكفل بالمرضي والمصابين بشكل كامل. كما تم تعميم الضمان الاجتماعي على أكثر من 620 ألف مواطن كمرحلة أولي على طريق تحقيق النفاذ الشامل للتأمين الصحي.
ووعيا منا بأن الوضعية الاجتماعية تتطلب جهدا كبيرا ومتواصلا فإننا ندرك جيدا أنه لا بد من برامج تقدم حلولا جذرية. فالعمل الجدي والفعال لا بد من أن يكون على بصيرة ولذا كانت البرامج التي قدمناها ضمن البرنامج الانتخابي تراعي هذه المسألة.
الشعب: أعلنتم فخامة الرئيس عن قرب إطلاق تشاور شامل وبدأت بالفعل مرحلته الأولى، ماذا تنتظرون من هذا التشاور وهل سنكتفي بتجنيب البلاد الصراعات السياسية المنهكة لعملية البناء؟
فخامة رئيس الجمهورية: ليست السياسة بالتأكيد لعبة لاسترضاء المجتمع ولكنها بالنسبة لي ممارسة تسمح للفاعلين الذين يمارسونها بتكريس جهودهم لخدمة المصلحة العامة. نحن نعتقد أن جميع الفاعلين السياسيين يعملون بشكل فعلي من أجل تحقيق الرفاهية للجميع. لذلك، هناك حد أدنى من الخيارات يمكننا التفاهم عليه والذي من خلاله نستطيع معا ترتيب الأولويات.
الشعب: وعدتم ببناء مدرسة جمهورية تسهم في ترسيخ دعائم موريتانيا قوية وموحدة. هل اقتربتم من تحقيق هذا الهدف؟
فخامة رئيس الجمهورية: تدركون جيدا أنه لضمان ولوج الحداثة من اللازم خلق مدرسة قادرة على السماح لنا بمكافحة الأمية والجهل والفقر بشكل فعال يكون بمقدورنا من خلالها تنفيذ برامج طموحة لتحديث المجتمع وضمان تنمية مستدامة.
إن المدرسة التي آمنا بها بداية تأسيس الدولة تحتاج اليوم إلى إعادة ترميم. ولهذا ركزنا جهودنا منذ الوهلة الأولي على تبني إصلاح جذري للمنظومة التعليمية لبناء مدرسة تحقق ما نطمح إليه وتكون بوتقة تعمل على صناعة جيل ليس فقط مسلحا بالعلوم والمهارات لبناء دولة عصرية وإنما قادرا على تأمين ديمومة مسيرتنا التنموية.
وقد تم إطلاق تشاور شامل هو الأول من نوعه خلال الأيام الأخيرة عكف على دراسة كل الإشكاليات المرتبطة بالمنظومة التعليمية. وقد خرج المشاركون بخلاصات مهمة سيتم من خلالها إعداد وثيقة تعتمد رسميا، تكون المرجع الأساسي تمكن من إصلاح التعليم وغرس روح المواطنة.
الشعب: تكون مأموريتكم اليوم فخامة الرئيس قد أمضت نصف فترتها، ماهي الأولويات في المرحلة المقبلة؟
فخامة رئيس الجمهورية: هذه الأولويات هي في المقام الأول تدعيم القاعدة الصلبة التي بدأنا نشيد عليها. ودون أن نغفل ما ورثناه من أشياء إيجابية، فإننا سنواصل نهجنا المتمثل في تعزيز الشفافية بخصوص إدارة الشأن العام من خلال جعل آليات الرقابة أكثر فعالية وفرض مبدأ المساءلة.
كما سنسعى جاهدين إلى تعويض النقص الحاصل فيما يتعلق بربط مختلف أطراف البلاد من خلال توسيع شبكة الطرق وتوفير الكهرباء وتأمين الإمداد بالمياه، وتعزيز التغطية الصحية. كما يتحتم علينا أيضًا أن نغرس روح العمل باعتباره قيمة ووسيلة لترقية الفرد والمجتمع. وهنا من اللازم التذكير بأن مفهوم الأمن الغذائي يعد ضرورة فيما يعنى استقرار وتنمية البلاد.
هناك حاجة ملحة لدعم فئات مجتمعنا الأكثر هشاشة لتمكينهم من اكتساب المهارات الذاتية للنهوض بأنفسهم واستعادة حقهم في العيش بكرامة.
مجملا عندما أعيد التفكير في الأمر، أدرك أن البرنامج الذي رسمناه كان متكاملا وحينها أشعر بالراحة ليس فقط لشموليته وإنما كذلك لأننا في الواقع سلكنا الطريق الصحيح الذي يمكننا من تنفيذه.
تصنيف: