النزاعات والحروب الأهلية في افريقيا الغربية

من أهم ما يواجه القارة الافريقية في ضمان أمنهاَ ووحدة دولهاَ وتحديث مجتمعاتهاَ، ما يعصف ببلدانهاَ من وقت لآخر من نزاعات مجتمعية، ماَ أكثر ماَ بلغت درجات الحروب الأهلية فدمرت وشوهت وأغرقت بلداناً بكاملهاَ في بحور الدموع والدماء حتى كادت تمحوهاَ كدول بل وأحياناً كمجتمعات. وتتعدد أسباب هذه النزاعات ومسببات تلك الحروب لكن لاَ مراء في ضررها على قارة مازالت تتلمس طريقهاَ نحو بناء "الدولة" وترسيخ المؤسسات الوطنية والخروج من ربقة التخلف التقني ومن تبعات هشاشة البنى الصحية والتعليمية وغيرهاَ من ضرورات عالم اليوم. وتشهد افريقيا الغربية اليوم أكثر هذه النزاعات نشاطاً وتعقيداً وطولاً. ومن هناَ أهمية هذاَ البحث عن النزاعات والحروب الأهلية في افريقيا الغربية. وهو بحث سيتبع المخطط التالي:

 

  1. مقدمة عامة
  2. في ضبط المفاهيم:
  3. الأسباب:
  1. الأسباب الداخلية
  2. الأسباب الخارجية
  1. الآثار السلبية لهذه النزاعات والحروب الأهلية
  2. هل إلى خروج من سبيل؟
  3. الخاتمة.

 

  1. مقدمة عامة

تعاني القارة الافريقية من مشاكل عديدة اقتصادية وسياسية وأمنية رغم وفرة مواردهاَواستقلال أكثر دولهاَ منذ منتصف القرن الماضي. ومن أهم ماَ يواجهه أهل هذه القارة، الفقراء على غناهاَ، كثرة الحروب الأهلية والنزاعات العابرة للحدود وهي نزاعات من أسبابها َضعف الاندماج الوطني العائد في قسم منه إلى التخطيط العشوائي للحدود، الذي لم يراع التنوع الثقافي والبشري؛ كماَ أن من أسبابهاَ فشل أكثر الأنظمة الحاكمة في التعامل مع هذاَ الأمر بحكمة، مماَّ دفع جماعات مهمشة نحو العنف المسلح، إماَّ لتحسين وضعهاَ في عمليتي توزيع الثروة والمشاركة السياسية أو للانفصال عن الدولة.

وقد حظيت القارة الأفريقية بالنصيب الأكبر من الحروب الأهلية على مستوى العالم، يقول أحد الباحثين إن عددهاَ تجاوز خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي 25 أي أكثر من ثلثي حروب العالم التي بلغت نحو 35 في نفس الفترة. وأسفرت هذه الحروب الأهلية الافريقية عن مقتل أربعة ملايين فرد ونزوح ولجوء خمسة ملايين آخرين[2].  ويورد باحث آخر أن الحروب الأهلية في افريقياَ بلغت منذ منتصف القرن الماضي، الأربعين حرباً[3].

وتكثر الأمثلة حتى تكاد تستعصي على الحصر ولكن لنذكر: حرب البيافراَ في القسم الشرقي من نيجيرياَ، التي استمرت ثلاث سنوات من 1967م إلى 1970م وخلفت أكثر من مليوني ضحية وحرب الكونغو (1996-2000م) التي كلفت خمسة ملايين قتيل والصراع في كازاَماَنص بالسنغال الذي بلغ ذروته سنة 1982م وما زال يكمن ويضطرم من حين لآخر. وحرب ليبرياَ الأولى (1989-1997)، حرب أزواد الأولى (1963-1964)، حرب أزواد الثانية (1990-1995)، الحرب الأهلية في سييراليون (1991-2002)، الحرب الأهلية في الكونغو (1996-2000م)، الحرب الأهلية في غينياَ بيساو (1998)، الحرب الأهلية الثانية في ليبرياَ (1999-2003)، الحرب الأهلية في كوتديفوار (2002-2007)، الحرب الأهلية في مالي (2011- )، الحرب الأهلية في رواندا( 1990-1994)، ........الخ.وما توالي عمليات الجماعات المسلحة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر واتساعها إلا أمثلة أخرى على ما يجري في هذه المنطقة.

 

وكادت بعض هذه النزاعات المسلحة تأتي على بعض تلك الدول لولاَ أن تداركتهاَ من العالم رغبة في حفظ وجودهاَ، لمصالح متعددة منهاَ استمرار الحاجة إليهاَ ومنهاَ قانون دولي معارض لتفتيت الدول ومنهاَ الخشية من انفتاح باب تلاشي الدول وإعادة رسم الحدود على غير ماَ رسمهاَ الاستعمار وهو باب إن انفتح لماَ تيسر سده.

ماَ هي إذن مفاهيم النزاع والحرب الأهلية وماَ هي افريقياَ الغربية وماَ هي أسباب النزاعات والحروب الأهلية فيهاَ وماَ هي نتائجهاَ عليهاَ وهل إلى خروج من دوامتهاَ من سبيل؟

 

  1. في ضبط المفاهيم.
  1. مفهوم النزاع:

لا يوجد تعريف محدد للنزاع. لكن من أمثل تعريفاته تعريف المعهد الدولي لبحوث النزاع في هايدلبرغ للنزاع بأنّه: "ظاهرة إنسانية تنشأ عن تصادم المصالح واختلاف المواقف على بعض القيم وهي على الأقل بين طرفين، قد يكونان جماعات منظمة أو دولا، و هي مصممة على السعي نحو تحقيق مصالحها والحصول على أهدافها"[4]. و يمكن القولإن النزاع يقوم على ثلاثةمحاور أساسية:

  • تعدد الأطراف
  • وجود مصالح ومواقف مختلفة
  • هدف النزاع هو محاولة تغيير الوضع القائم .

ويتداخل مفهوم النزاع مع مجموعة من المفاهيم الأخرى لذلك نجد الكثير من الكتابات تركز على محاولة إيجاد مفهوم واضح و محدد له بتمييزه عن مفاهيم مقاربة له كالتالي[5]:

  • النزاع والأزمة : الأزمة فترة قصيرة في العلاقات الدولية تتميز بعدّة خصائص أهمهاَ ضيق الوقت وكثرة الأحداث والمفاجأة و المخاطرة. إنها  تنقل العلاقات بين الأطراف من حالة التعاون إلى حالة  عدم التعاون وقد تتطور فتصير صراعاً وقد تضمر وتتراجع وتختفي.
  • النزاع والصراع: الصراع هو ظاهرة ديناميكية تتميز بتعدد المصادر والأبعاد والتفاعلات، تنتج عن زيادة التناقضات والأطراف المتنازعة، وعادة ما يتعلق الصراع بمسائل الهوية والقومية مثل الصراع العربي الإسرائيلي أو الصراع الحضاري بين الشرق والغرب عكس النزاع الذي يتعلق بقضايا عالقة مثل النزاع الحدودي أو الإثني وقد يصبح النزاع صراعاً.
  • النزاع والحرب: تعرف الحرب على أنّها صدام مسلح بين طرفين بحيث يحاول كل طرف تحقيق أهدافه، وتعتبر الحرب آخر مرحلة من مراحل تطور السلوك النزاعي.
  1. مفهوم الحرب الأهلية. الحروب الأهلية صراعات عنيفة يتواجه فيهاَ مواطنون أبناء بلد واحد بينماَ يواجه الجنود النظاميون جنوداً نظاميين آخرين من بلد غير بلدهم.  والحرب هي نزاع عنيف بين مجموعات منظمة بينما النزاع علاقة بين كثير من الفاعلين أفراداً أو مجموعات يسعون لأهداف متعارضة. والحروب الأهلية من أشد الحروب تدميراً فهي لاَ تدمر البنى التحتية فقط بل وأخطر من ذلك تدمر المجتمع.

وإذاَ كان جيش معاد واحد قادراً على تدمير مدينة ماَّ مثلاً بضربهاَ من خارجهاَ فكيف إن تعاون عليهاَ جيشان أو أكثر، من داخلهاَ. ولكن أخطر ما تقوم به الحروب الأهلية هو تدمير النسيج المجتمعي وإن كانت الحروب ضد عدو خارجي توحد أبناء البلد فإن الحروب الأهلية تفتتهم وتدمر وحدتهم وربما لأجيال متتالية. بل ربما للأبد. ويبقي من الأوطان بعد الحروب ضد أعداء الخارج ماَ لاَ يبقى بعد الحروب الأهلية التي قد تقضي عليهاَ.

  1. افريقيا الغربية. تضم منطقة غرب أفريقيا دولاً عدة وشعوباً ولغات كثيرة ولهاَ ثروات كبيرة معدنية وزراعية ورعوية وبحرية. وهي منطقة عرفت خلال تاريخهاَ دولاً بعضهاَ استمر قروناً عديدة وبلغ إشعاعه الحضاري مناطق بعيدة من شمال أفريقياَ وشرقهاَ وجنوبهاَ بل وتعدى إلى المشرق العربي وأروباَّ.
  1. الموقــع. تضم القارة الأفريقية دولاً كثيرة و"تتميز بأنها تضم أكبر عدد من الوحدات السياسية لاَ نجد له نظيراً في أي قارة أخرى"وتمتد على الجزء الغربي الذي يشمل ماَ بين خليج غينيا جنوباً والحدود المغربية شمالاً مع ما يقابل هذاَ الساحل شرقاً حتى حوض النيجر داخل القارة الأفريقية ويمكن تحديدها بالقول إنها المنطقة الواقعة بين المحيط الأطلسي غرباً وخط الطول (º10) شرقاً و(22º) غرباً ودائرتي العرض (º5) و(º27) شمالاً[6].

تبلغ مساحة هذه المنطقة حوالي (6,140,178) كلم2 وهي خمس مساحة القارة[7]وتتقاسمهاَ ست عشرة دولة هي موريتانيا ومالي وكوتديفوار والسنغال ونيجيريا وغينيا وغانا وغينيا بيساو وليبيريا والنيجر وبنين وغامبيا وبوركينا فاسو والرأس الأخضر وسيراليون والتوغو. ومن هذه البلدان المتسع المساحة كالنيجر ومالي وموريتانيا التي تبلغ مساحتهاَ على التوالي (1,267,000)كلم2 و (1,241,238)كلم2و(1,037,800)كلم2، ومنها الضيق كالرأس الأخضر وغامبيا اللتين تبلغ مساحتهماَ على التوالي(4033)كلم2 و(11295)كلم2.

ب. طبيعة الأرض. تتكون منطقة غرب أفريقيا عموماً من أراضي منبسطة وتبلغ أعلى قمة فيها (1752) متراً وهي قمة جبل نيمبا الواقع بين ساحل العاج وغينيا ويشكل القسم الشمالي من غرب أفريقيا الجزء الغربي من الصحراء الكبرى. وفي غرب افريقيا نهران كبيران هما نهر السنغال ونهرالنيجر.

ج. السكانقدر عدد سكان غرب أفريقياَ، في العام 2012م،بحوالي(320,347,000) نسمة أي ما يعادل ثلث سكان القارة ولو كانت مجموعة غرب أفريقيا دولة واحدة لكانت، من حيث السكان، بعد الهند والصين ولقاربت الولايات المتحدة الأمريكية[8].

يتكون سكان غرب أفريقياَ من مجموعات عرقية وثقافية كثيرة وقد أشارمكتبالمراجعالسكانيةبالولاياتالمتحدةإلىأنالمنطقة ستشهدفيالـخمسة والثلاثينعاماًالمقبلةارتفاعاًكبيراًفيعددالسكان،استناداً إلىمؤشرالولاداتفيهاَ. بحيث يصلعددسكاننيجيريامثلاً إلى(400)مليوننسمة[9].

د. التـاريـخمنطقة غرب أفريقيا منطقة غنية بتاريخها وقد عرفت ممالك كثيرةقبل الاستعمار مثل مملكة غاناَ (300-1076م) ودولة المرابطين(1076-1147م) ومملكة مالي (1230-1600م) ومملكة الصونغاي (1400-1500م)[10]ومملكة آشانتي (1701-1896م) ومملكة داومي (1900-1894م) ودولة عثمان فوديو في نيجيريا (1809م) ومحاولات الحاج عمر (ت1864م) الخ...[11]

ه. الحياة الثقافية والدينية. تعد أفريقيا الغربية مثالاً على التنوع الثقافي والدينيوتنتشر فيهامئات اللغات غير المكتوبةالتي تتجاوز العشرات أحياناَ في نطاق الدولة الواحدة، أماَّ إذا أضيفت اللهجات الضيقة الانتشار المستعملة في نفس القطر فقد تبلغ المئات في نفس البلد. فيالكامرون مثلاً، يرتفع عدد اللغات واللهجات المتكلم بها إلى(70) وفي ساحل العاج إلى(72). ولغات نيجيريا وحدهاَ تقدر بنحو(50) لغة. وعدد اللغات في غاناَ يتراوح ما بين (40) و(60) وأما اللهجاتفحوالي(800) لغة[12].

وإذا استثنينا اللغات الأوروبية وجدناَ أن اللغات الكبرى الأكثر انتشاراً في غرب القارة هي الهوسا والبنبارية والفلانية والديولا والعربية. والعربية لغة الإسلام والمجموعات العربية المتناثرة في هذاَ الحيز ولغة موريتانياَ البلد العربي الوحيد في غرب أفريقياَوهي اللغة الأفريقية الوحيدة المكتوبة بأحرفهاَ بينماَ لم تنجح محاولات كتابة اللغات المحلية الأخرى في المنطقة وإن كانت مستمرة.

 

وكما تتعدد اللغات في أفريقيا الغربية، تتعدد الديانات كذلك فقد كانت المنطقة وثنية ثم دخلها الإسلام منذ القرن السابع الميلادي وانتشر خاصة بعد القرن الحادي عشر ثم دخلهاَ الاستعمار وزرع كنائسه وفيهاَ فأصبحت المسيحية إحدى دياناتهاَ.

و. الحياة السياسيةرغم أن دول غرب أفريقياَ نالت استقلالهاَ السياسي قبل كثير من مناطق أفريقيا المستعمرة فإنهاَ فشلت في تحقيق درجة كافية من الاستقرار السياسي بسبب ضعف أداءكثير من الأنظمة الحاكمة، إضافة إلى الصراعات وضعف مراقبة الحدود البينية، ناهيك عن عوامل أخرى ساهمت في هذه الوضعية. وكشفت دراسة أعدت في العام 2009م أنه ما بين عامي 1958و2008مكان نصيب غرب أفريقياَمن التغييرات غير الدستورية الأكبر في افريقياَ فأصابت لوحدها نسبة (44,4%)[13].

ز. الحياة الاقتصاديةتختلف الدول الأعضاء في هذه المنطقة من حيث حجم السكان ومستويات التنمية ومراحل بناء الدولة وطبيعة الموارد المتوفرة. وتواجه هذه الدول، وإن بمستويات مختلفة، تحديات في الأمن والحكم والتنمية، وتوصف غالباً بأنها فقيرة رغم وفرة وتنوع مواردهاَ الطبيعية فهي تحتوي على حوالي (32%) من احتياطيات الغاز في أفريقياَ، وقدر الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول فــــي العـــــــــام 2011م بـحوالي(565) ملـــــــيار دولار وهـــــــو ماَ يجعلها القوة الاقتصادية رقم (25) في العالم[14].

  1. أسباب النزاعات والحروب الاهلية في افريقيا الغربية:

لاَ تقوم النزاعات ولا الحروب الأهلية من فراغ فالحرب أيُّ حربٍ تتخلَّق في رحم السياسة وهي تعبير عن عجز المجتمع عن الإجابة سلماً على أسئلة كبرى تواجهه. وهو إن لم يجب عنهاَ حواراً وتبادل مصالح بين أقطابه وتنازلات تحفظ التوازن وتشعر كل واحد فرداً أو جماعة أنه جزء من المجتمع، أجاب عليها بالعنف والصراع ثم بالحرب الأهلية. ويمكن إيجاز أهم أسباب النزاعات والحروب الأهلية في افريقياَ الغربية في النقاط التالية:

  1. أسباب داخلية: تتداخل العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية في تهيئة الأرض المناسبة للنزاعات والحروب الأهلية في غرب افريقياَ. وهي تمتد متشابكة مع أداء الدول منذ الاستقلال وهو أداء أقل ما يوصف به أنه مازال دون الآمال. لذا قامت نزاعات الداخلية في هذه المنطقة رغبة في التخلص من نظام قائم يرى الثائرون به أنه يغمطهم حقوقاً أساسية كالتمثيل السياسي أو النصيب من الثروة أو يقمعهم أو يهددهم في وجودهم كمجتمع. وكان من أسباب هذه الحروب أن الدولة القومية في افريقياَ قامت على أنقاض تقسيم استعماري للقارة لم يراع مقومات التجانس اللغوي ولاَ الثقافي ولاَ السياسي. وخلافاً لماَ جرى في أوروباَّ حيث عمدت النخب إلى خلق دول على أنقاض امبراطوريات، معتمدة معايير التجانس القومي وقدراً مقبولاً من الروابط والمصالح المشتركة، أسس المستعمر الدول الافريقية دون مراعاة لهذه المعايير فقسم شعوباً بين دول ومكن لأقليات وهمش أكثريات فخلق بهذاَ كله شروطاً ملائمة للنزاعات والحروب الأهلية أو بين الدول الافريقية منذ "رحل" عنهاَ.والاستنزاف المستمر لخيرات هذه المنطقة من احتكارات عالمية متنفذة تحميهاَ دولها الكبرى ومن نخب محلية وكيلة لا تقل جشعاً، تنقل خيرات بلدانها نقل الذرة إلى بلاد الغرب والشرق، من أوكد أسباب إفقار هذه البلدان والزج بأهلهاَ في حروب أهلية مميتة. وتزداد الأمور صعوبة بزيادة السكان بوتيرة عالية وبانفتاح مجتمعات غرب افريقياَ على العالم وارتفاع سقف طموحات الشباب واتساع الشقة بينهاَ وواقع بلدانه دون آمال مبشرة كافية تلوح في الأفق القريب.
  2. أسباب خارجية: لم تكن النزاعات ولا الحروب الاهلية في هذه المنطقة من افريقيا أو غيرها يوما بمعزل عن التأثير الخارجي. وما كان لهذه المنطقة الغنية بثرواتها الطبيعية الكثيرة أن تفلت من خطط الاستحواذ على مواردها والتصارع عليهاَ. لذاَ قد تخلق قوى إقليمية أو دولية أو تحرك نزاعات بل وحروباً داخلية لإضعاف بلد ماَّ للتأثير في سياساته لتوائم مصالح تلك القوى و/أو تسهل استغلالهاَ خيراته. والذين أقاموا أكثر هذه الدول على تلك القواعد مراعين ضمان استمرار تبعيتهاَ لهم، لاَ تخلو حرب من حروبهاَ الأهلية أو البينية من يد لهم تحرك وتحش نار الصراع وتضرمهاَ. وإن لم يكن من العدل القول إن العامل الخارجي وراء كل ما جري أو يجري في المنطقة من نزاعات فإن دوره غير منكر من أحد. والأدهى أن سياسات إدارة هذه الأزمات، بالتحكم فيهاَ لاَ بحلهاَ، مماَّ يعطي الدور الخارجي مكانة مركزية في نزاعات غرب افريقياَ وحروبهاَ.

 

  1. الآثار السلبية للنزاعات والحروب الأهلية:

تدمر النزاعات والحروب الأهلية البنى التحتية وتستنزف الموارد البشرية والمالية فترجع إلى الوراء بلداناً متخلفة أصلاً. وهي إذ تفعل ذلك تفقد الدولة الوطنية كل قدرة على المناورة أمام شركائهاَ من دول ومؤسسات دولية وشركات عالمية وتضطرهاَ إلى الاستنجاد بالقوى التي استعمرتهاَ قبلُ حتى لتكاد تستجديهاَ أن تستعمرهاَ من جديد، حفظاً لبقاياَ كيان يكاد يتلاشى. وتعطل الحروب الأهلية انصهار المكونات الاجتماعية في شعب واحد فتفرغ الخطاب الوطني من مضمونه وتكاد تنسفه بما تذكي من نعرات متفرقة يتشظى المجتمع باتباعهاَ. ولعل أخطر ماَ تنجلي عنه الحروب الاهلية هو تدمير النسيج الاجتماعي فهو أول ماَ تضعفه وآخر الجروح التئاماً في جسوم البلاد التي ابتليت بهذه الحروب.

  1. هل إلى خروج من سبيل؟

تتكاثر الأزمات بل والصراعات والحروب الأهلية في افريقياَ الغربية فما تدري بأيهاَ تبدأُ. وقد كلفتهاَ كثيراً من أبنائهاَ وجزءاً وافراً من قدراتهاً الاقتصادية وأشفت ببعض دولهاَ على حافة الانهيار والتلاشي أيماَ مرة. ورغم مضي نصف قرن على استقلال دول افريقياَ الغربية وماَ رأته من تجارب بعضهاَ المرة مع الحروب الأهلية بل ومع النزاعات التي لم تبلغ حد الحرب، فإن هذه الدول مازالت لماَّ تخلق من آليات الوقاية ماَ يكفيها شر هذه الآفة. وهي آفة جذورها تنمو بالفشل الاقتصادي والظلم السياسي وغياب آليات متفق عليهاَ لحل الخلافات المجتمعية بالتحاكم إلى قوانين عادلة عصرية وعامة على الناس. ولعل معالجة هذه الظاهرة المبيرة للدول في معالجة أسبابهاَ السياسية والاقتصادية والقانونية وفي إحياء تراث هذه المجتمعات في حل خلافاتهاَ.إن شعوب غرب افريقياَ شعوب عريقة في بناء الدول وإدارة التنوع ولديهاَ من تاريخهاَ قبل الاستعمار مَعينٌ لاَ يكاد ينضب وهو مُعين إن استرشدت به في تعزيز لحمتهاَ الوطنية وبنت عليه في تجذير الديمقراطية وحسن التداول على السلطة وسلاسة انتقال الحكم، بما يشرك كل أبناء الوطن فيه فلاَ يحسون دفعاً عن حق ولاَ دفعاً إلى هامش. وإن كانت صنائع المعروف تقي مصارع السوء فإن أرجى ماَ يقي الدول تلك المصارع هو العدل. وهو أفضل ما تصنعه لنفسهاَ وتصطنع به أبناءهاَ. والوطن إن عرف بنيه في وقت الرخاء كانوا له أعرف في وقت الشدة. وفي افريقياَ الغربية حيث الحاجة للعدل قائمة، على تفاوت الدول في ذلك، وحيث سيبلغ عدد السكان 450 مليون نسمة سنة 2025 منهم 45% دون سن 15 سنة[15] فإن المستقبل يبعث على القلق.

  1. الخاتمة:

يعد العنف السياسي ظاهرة عالمية تعرفهاَ جميع المجتمعات الانسانية بأشكال مختلفة وإنماَ الاختلاف بين المجتمعات في اتساعه وضراوته وأسبابه وآليات تفاديه ومعالجته. وتعد القارة الافريقية بماَ فيهاَ جزؤهاَ الغربي، من أكثر مناطق العالم تعرضاً للحروب الأهلية التي هي أعلى درجات العنف السياسي الداخلي.ولاَ ينبع هذاَ من فراغ بل من مشاكل سياسية واقتصادية داخلية بنيوية ومن عوامل خارجية كعدم ملاءمة حدود الدول لحقائق الثقافة والتاريخ وتوزع الثروات ولاستمرار التدخل الخارجي في القارة وخاصة من قبل قوىً رحلت وماَ رحلت. وفي هذه المنطقة حيث تتزايد أعداد السكان بسرعة وترتفع سقوف مطالبهم باطراد، في حين لاَ يواكب ذلك تطور اقتصادي ولاَ تحديث سياسي مناسبين، فإن النزاعات المجتمعية والصراعات بل والحروب الأهلية من أشد ماَ يهدد حياة الدول. وقد اكتوت بنيرانهاَ في أكثر من موضع وزمان. وليست أكثرهاً اندماجاً واستقراراً اليوم بمنجاة منتلك الأخطار إلى الأبد. فكيف للوعي بهذه الحقائق والاستفادة من تلك التجارب أن يجنب دول غرب افريقياَ، مصائر الفوضى والتفتت؟

العقيد محمد المختار ولد بيه

 

 

 

[1]نشرت هذه الدراسة في العدد رقم 1 من دورية مدرسة الحرب العليا لدول الساحل الخمس، الصادر في شهر يناير 2020.

[2]ضياء، محمود، الحروب الأهلية تعيق التنمية المستدامة في افريقيا، في جريدة الحياة اللندنية: http://www.alhayat.com/article/872587/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%88%D8%A8

[2] PHEZO,  Didier,  Les guerres civiles en Afrique, www.c-retro-actuel.net. du 31/8/2009

 

[4]المعيني، خالد ، الصراع الدولي بعد الحرب الباردة، دار كيوان للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2009،ص ص 59-60

[6]عبيد، ربيع عبد العاطي ، دور منظمة الوحدة الأفريقية في فض المنازعات ، دار القومية العربية للثقافة والنشر، القاهرة، 2002م، ص 16.

[10]الوزان، الحسن بن محمد، وصف أفريقيا، وصف أفريقيا، ج 2، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، بيروت، دار الغرب  الإسلامي، 1983م، ص 164.

[11]الذهني، إلهام محمد علي ، جهاد الممالك الإسلامية في غرب أفريقيا ضد الاستعمار الفرنسي (1850-1914م) ، الرياض، دار المريخ للنشر، 1988م، ص 33.

[12]دعوة الحق، مجلة مغربية شهرية صادرة عن وزارة الأوقاف http://habous.gov.ma ، تاريخ الدخول 25/4/2016 سعت 2000.

[13]Zounmenou David, Coups d’Etats in Africa between 1958 and 2008, African Security Review, published online: 22 july 2010. P 71-73. 

[15]L’Afrique de l’Ouest en proie à ses guerres civiles In: http://libeafrica4.blogs.liberation.fr/2015/05/11/lafrique-de-louest-et-...

 

تصنيف: 

دخول المستخدم