القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس: حصيلة مشجعة.. وضرورة الاستمرارية

يُنظر إلى القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس على أنها مقابل للمجموعة تطغى صفته العسكرية عليها. وهي فعلا أداة جماعية أساسية للدفاع والأمن أنشأها رؤساء دول المنظمة الإقليمية. وتشكل حسب عقيدتها العسكرية قيمة مضافة كبيرة للمفاهيم و النظم المتبعة من أجل مكافحة الإرهاب و التهديدات العابرة للحدود والجريمة المنظمة في المنطقة.
آمال مفرطة.. و صورة مغلوطة
لقد استرعت هذه القوة الانتباه فور إنشائها وأثارت الكثير من الآمال المبالغ فيها أحيانا. فكذا رأى فيها الإعلام والمراقبون على الفور أداة دفاعية مثالية متعددة الأطراف وإقليمية ستتكفل بالمهمة الصعبة المتمثلة في رفع التحديات والتهديدات الأمنية التي تعصف بالمنطقة. وهذه نظرة مفرطة في التفاؤل، وبالتالي مغلوطة، نتجت عنها تطلعات لم تتحقق وتساؤلات غير مفهومة و خيبات أمل.مما أثر سلبا على صورة القوة الخارجية.
بينما القوة المشتركة لم تأت لتحل محل منظومات الدفاع والأمن الموجودة، وإنما لتكملها؛ وذلك على ثلاث أصعدة:
- أولا، تقدم القوة المشتركة دعما مهما للمنظومات الوطنية للدفاع و الأمن الخاصة بكل من الدول الخمس؛
- ثانيا، تلعب دور فاعل عملياتي نشط في الميدان و محاور ذي بال لدى منظومات التعاون العسكري الخارجي والحلفاء المتواجدين في المنطقة؛
- وأخيرا، فبوصفها أول محاولة جادة في مجال الدفاع المشترك في الساحل، فإنها تشكل حالة غير مسبوقة من العمل العسكري متعدد الأطراف جديرة بالدراسة بغية إثراء هذه التجربة وتعميمها إلى فضاءات أخرى.
كل هذه العوامل مجتمعة جعلت من القوة المشتركة مثار اهتمام كبير رغم ما يعترض سبيلها من صعوبات لا يستهان بها.
البحث عن تمويل دائم.. والرفض الأمريكي
تتعرض العلاقات متعددة الأطراف حاليا لتهديدات متزايدة مع صعود الحركات والأنظمة الشعبوية، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. و لا شك أن القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس ضمن المنظمات والفاعلين متعددي الأطراف الذين تضرروا من ذلك. فقد منعتها إدارة ترامب من العمل تحت المظلة الأممية. فعملًا بشعاره "أمريكا أولا"، رفض الرئيس الأمريكي و حلفاؤه البريطانيون تسجيلها تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛ وهم بذلك يحرمونها من مصدر تمويل دائم.
وبسبب هذا العائق، فقد رأت القوة المشتركة النور ونشأت في ظروف مالية غير أكيدة سوف يكون لها حتما أثر على مسارها.
مخاضُ عويص نوعا ما.. وبناء قدرات متواصلٌ..
أعلن رؤساء دول مجموعة دول الساحل الخمس في نوفمبر 2015 بالعاصمة النيجيرية نجامينا عن تكوين قوة عسكرية مشتركة لمكافحة الإرهاب. وظل المشروع في طور المخاض طيلة 12 شهرا قبل أن يرى النور أخيرا يوم 06 فبراير 2017 تحت اسم "القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس". ومنذ ذلك الحين، والقوة تشهد تنام في قدراتها؛ كما ظلت عقيدتها العسكرية- أو مفهومها العملياتي- في تطور مستمر.
لقد تم تصميمها في البداية ليقتصر عملها على مهام تأمين الحدود و ليكون عدد أفرادها 5000 رجل موزعين على سبع كتائب. أما ساحة تدخلها فتتوزع على ثلاث قطاعات: نطاق الوسط، النطاق الغربي، والنطاق الشرقي.
وفي مرحلة أولى، حُدِّد عرضُ كل نطاق بخمسين كيلومترا على كلا جانبي الشريط الحدودي، أي 100 كيلومترا؛ ثم ضوعفت هذه المساحة مرتين حاليا.
ودائما في سياق توسيع مجال الانتشار، أضيف تعديل جديد: أصبح من الممكن للكتائب أن تتدخل حسب الحاجة في مناطق عمليات خارج النطاق الأصلي المخصص لكل واحدة منها.
وبالموازاة مع التحسين المستمر لمفهوم العمليات، يتم تدريجيا توفير والوسائل البشرية واللوجستية، مما أفضى إلى حصيلة مرضية على العموم، حسب الوزير الموريتاني للعلاقات الخارجية الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجموعة دول الساحل الخمس. وقد جاء تصريحه بهذا الشأن خلال اجتماع لمجلس الأمن جرى عن بعد يوم 05/06/2020 بمبادرة من فرنسا.
ونذكر فيما يلي بعض الأرقام التي وردت على لسان السيد إسماعيل بن الشيخ أحمد. وهي تعطي صورة واضحة عن حصيلة القوة المشتركة : إنجاز 98% من تعداد القوة، الالتزام ب 238 مليون يورو كدعم أوروبي لصالح القوة المشتركة، إنجاز05 مراكز قيادة: منها 03 للنطاقات، و01 للميدان، و01 مركز قيادة مشترك بنيامي من أجل التنسيق مع القوة الفرنسية "برخان"؛ القيام ب21 عملية عسكرية- من بينها عملية ذات مدى واسع- في ولاية لبتاكو كورما (نطاق الوسط) المسماة بمنطقة "الحدود الثلاث" بين مالي والنيجر و بوركينا فاصو.
ثلاث تحديات....
على الرغم من النتائج المشجعة على سبيل تطوير قدرات القوة المشتركة والرفع من فاعليتها العملياتية، فإن تحديات كبيرة تعترض طريقها. وسوف نقتصر هنا على بعض جوانبها الأساسية المتعلقة بديمومة التمويل و بتأثيرات كوفيد 19 وبالتكوين الأخلاقي و المدني للجنود.
- تمثل ديمومة تمويل القوة المشتركة مشكلة، كما أسلفنا. و طبعا يندرج الاستمرار بالمطالبة بإدراجها تحت مظلة الأمم المتحدة ضمن الحلول المعقولة لتجاوز هذه العثرة. لكنه صار من المستبعد أكثر من أي وقت مضى بأن الإدارة الأمريكية لن تقبل بذلك في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الناجمة عن جائحة كوفيد 19. وعلى دول مجموعة الساحل و شركائهم أن يبحثوا عن حل بديل لا يتوقف على الأمريكيين و حلفائهم البريطانيين.
- وبسبب كوفيد 19، يُخشى أيضا من إكراهات مالية أخرى مضرة ناجمة عن الجائحة؛ سيكون لها أثر سلبي على القوة المشتركة و عملها و تطوير قدراتها والرفع من مستواها العملياتي.. وينبغي البحث عن طرق ووسائل كفيلة بتخفيف وقعها و التقليل من تأثيراتها.
- أظهرت التمارين و العمليات التي قامت بها القوة المشتركة نقصا في الخبرات الفنية للجنود، ولكن أيضا في سلوكهم وما يدير تصرفاتهم. و قد تجلت هذه الثغرة الأخيرة أحيانا بصفة خطيرة جدا من خلال انتهاكات وجرائم يرتكبونها بحق السكان المدنيين. وتجب محاربة مثل هذه التصرفات الممنوعة بكل قوة، على المستوين الجنائي و التأديبي؛ و لكن أيضا بواسطة تكوين فعال، في مجالات التربية المدنية و الأخلاقية، موجه للعسكريين وجميع العاملين في القوة المشتركة لمجموعة الساحل خمسة.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
جريدة الشعب 30 يونيو 2020

تصنيف: 

دخول المستخدم