في الشهور المقبلة ستجرى في موريتانيا انتخابات رئاسية ظل الفاعلون السياسيون يتحركون وينشطون في سبيلها دون انقطاع. حراك لا يخلو من مخاطر واكراهات شتى. وأهم معضلة تقف في وجه جميع الطوائف هي استحالة وجود المرشح التوافقي الذي يضمن التفاف الجميع حوله بدون استثناء. والإشكالية تتعلق بالموالاة وبالمعارضة.. ولكن بدرجات متفاوتة.
فلا شك أن عدم ترشح الرئيس محمد ولد عبد العزيز المنتهية ولايته الثانية سيترك أثرا في صفوف أنصاره الذين سيحس بعضهم بمرارة لما يُعلَن اسمُ المرشح الذي سيخلفه؛ والذي يُتوقع أن لا ينال رضاهم جميعا. مما قد ينجم عنه بعض الشروخ في صفوفهم.
غير أن الشقاق الكبير المنتظر يتمثل في التصدعات العنيفة التي تصيب جسم المعارضة المنضوية تحت راية المنتدى. وتفاديا لذلك أو للتخفيف من وقعه، فقد صدرت في صفوفهم نداءات وأصوات متعددة تدعو إلى تعيين مرشح موحد. ورغم أن الفكرة قوبلت ظاهرة بصدر رحب في أوساط المعارضة بشكل عام، إلا أنه قل من بينهم من سينصاع لها فعلا. خاصة أن حافزين رئيسين زائلان بالنسبة لرموز هامة في صفوفهم.
أولا: حافز معاداة محمد ولد عبد العزيز لن يعود له مبرر لكون هذا الأخير قرر وكرر انه سيغادر الرئاسة بمحض إرادته وفقا للدستور. وكانت معاداته بوصفه رئيسا للدولة هي العامل السياسي الوحيد الذي يلتئم تحت رايته المنتدى وحلفاؤه في المعارضة.
الحافز الثاني الغائب يتمثل في استحالة ترشح أوجه تاريخية وبارزة، مثل: احمد ولد داداه ومن هم في سنه التي يُمنع أصحابها دستوريا من الترشح؛ وهذ الأمر يؤثر سلبا على درجة اندفاعهم السياسي ومردوديتهم الفاترة الذين سيشهدان لا محالة تراجعا حتى وإن لم يفصحوا هم عنه بشكل بين.
ومن جهة أخرى، فالتجربة الكونغولية الراهنة غير مشجعة فيما يتعلق بالتفاف المعارضة خلف مرشح وحيد. فبعد تعيين الأحزاب الرئيسية المعارضة الكونغولية للسيد مارتن فيولو، مرشحا موحدا للمعارضة، خلال الانتخابات الرئاسية المرتقب تنظيمها في 23 دجمبر القادم؛ فها هو السيد فيتال كاميري والسيد فيلكس تشيشيكدي -وهما اهم زعيمين معارضين- يقرران بعد أقل من 24 ساعة انسحابهما من الاتفاق ليعلن كل واحد منهما ترشحه، معبرين عن انصياعهما لخيارات القواعد الحزبية في تشكيلتيهما السياسيتين : الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي (UDPS) التابع للسيد تشيشيكدي والإتحاد من اجل الأمة الكونغولية ( UNC) الذي يتزعمه كاميري
هل ينطبق المثل على المعارضة الموريتانية ؟ نعم.. ولا!
كمثيلتها الكونغولية، المعارضة الموريتانية لن تنجح حقيقة في تعيين مرشح موحد حتى وإن تظاهرت زعاماتها باهتمامها بالأمر. وكلنا نتذكر عجزها في الماضي وما آلت إليه محاولتهم بمناسبة رئاسيات يونيو 2014 بشأن ترشيح الاستاذ احمد سالم بوحبينى الذي انتهى به المطاف إلى التراجع عن الترشح فور ما لاحظ عدم جدية زعماء المعارضة وأنه لا يمكنه التعويل عليهم كما سيتاكد من ذلك مرارا فيما بعد خلال فترة قيادته للمنتدى.
أما الفرق مع الكونغوليين، فيكمن في كون المعارضة الموريتانية لا تخاف من عصيان قواعدها الحزبية. والسبب بسيط : ليست لها فواعد.. وإن كانت لبعضها قواعد، فالقادة لا يولونها أي اهتمام.
فعلى سبيل المثال : تيار الإخوان المسلمين المتمثل في حزب تواصل هو أقوى مكونات المعارضة الموريتانية من حيث عدد الناخبين ومن حيث الوسائل. غير أنه لا دليل على خوفه من قاعدته. فعلى العكس فإننا نتوقع أن لا يقدم مرشحا للرئاسيات- رضيت القاعدة بذلك أم لم ترض- اقتداء بما يفعله حزب النهضة في تونس.
ومع ذلك لم تثر ولم تتحرك قواعد النهضة رغم أن رأيها لم يُطلَب. ونجزم أيضا أن قواعد تواصل لن تتحرك هي الأخرى. فحركتهم لا تأتي إلا بأمر من قيادة الحزب.. وإلا لكانت عبرت عن استيائها من بعض المواقف والتصرفات المشينة الصادرة عن الحزب وزعاماته.
منها على سبيل المثال : الصلاة خلف المرحوم معمرالقذافي التي بررها أحد قادة الحزب، قائلا أنها مناورة سياسية أداها "بدون وضوء ولا تكبرة إحرام ولا تسليم".
ولم يعلق الحزب.. ولا فقاؤه.. ولا علماؤه... على هذا التبرير الغريب رغم أنه أثار استياء كبيرا وحيرة شديدة في أوساط الموريتانيين وفي مسلمين غيرهم. وسكوت الحزب وزعاماته الروحية المريب لم تثر مشاعر أنصاره. مما يعني أن القواعد الحزبية لتواصل إما معدومة وإما أنها تتحلى بدرجة عالية جدا من "الانضباط" بشكل يسمح للقيادة بالتصرف باسمهم كيف شاءت.
البخاري محمد مؤمل
تصنيف: