كثيرا ما يستفزني حديث الباحثين وغيرهم من الخبراء والأخصائيين الغربيين في الندوات والملتقيات و المحاضرات عن " السلفيين " و عن " السلفية "؛ وكثيرا ما أركز في مداخلاتي علي ضرورة الاحتياط في استخدام مفاهيم من الثقافة الإسلامية مثل "السلفية" أو "الجهاد" بنبرة سلبية.
فذات مرة مثلا أغضبني --حسب بعض الحضور مع أنني عبرت بهدوء عن رأيي - أحد كبرائهم بقوله إن " موريتانيا التي قامت بمجهود ملحوظة في مكافحة الارهاب أبدت تناقضا في موقفها مذ أن قطعت العلاقات مع إسرائيل تحت ضغط السلفيين!! "
و في ندوة أخري أبديت تحفظي على كلام خبير متخصص في الجماعات الإسلامية يدافع عن جماعة " الإخوان المسلمون " مادحا إياها بأنها ليست سلفية !! بالطبع لن اذكر في هذه السطور أسماء هؤلاء المتخصصين في الشأن الإسلامي الذين تحاورت معهم بحكم واجب التحفظ المهني و طبقا لقاعدة شاتام هاوس. la règle de Chatham House
التي تمنع في عدة ندوات حضرتها العزو ألي القائل و علي عكس هذا التقليد الغربي ابحث. دائما في القوال أهل العلم. وفقا لقاعدة " من صحة القول إن يسند إلي قائله " الموروثة عن أسلافنا أن أقف علي ما يساعدني في فهم صحيح لمصطلح السلفية الذي يرتبط عندنا بذكر السلف الصالح و الذي صار اليوم يطلق في حالات عديدة علي جماعات إرهابية منها من قتل جنودنا المسلمين والمسالمين و نكل بهم.. و منها من نكت قبور الصالحين.. و منها من انتهك الحرمات و أساء ببشاعة أعماله الإرهابية إلي سمعة الإسلام دين السلام والمحبة ...
لذلك لم أتردد في السؤال عن بحث تم نشره في صورة كتاب تحت عنوان " تكامل المنهج المعرفي السلفي " من طرف الأستاذ الحضرمي بن احمد لطلبه الباحث في مركز سلف للبحوث و الدراسات لعلي أجد فيه ضالة اهتمامي بالموضوع أصلا و تفصيلا فوجدته بتكرم من المؤلف جزاه الله خيرا.
و لما وقفت علي مضمونه، تبين لي أنه عبارة عن ورقات أعدها الباحث من وجهة نظره بأسلوب علمي حول ثلاثة محاور أساسية في نظرية المعرفة عند أهل العلم في الإسلام و ما يترتب عليها من تمذهب و من خلافات في المذهب و لم أقف طيلة قراءتها علي ما من شأنه أن يكدر صفو بالي. لأنني تعودت - ولله الحمد - علي تفهم اختلاف آراء الفقهاء و علي أن لا أتعصب لنقول بعضهم ضد نقول البعض رغم الشك الذي قد يراودني بفعل تأثير الوسط الأسري، حيث أنني تربيت علي مقولات من قبيل " إن ابن تيمية و ابن القيم -- نقلهما غير قيم" ...
فعلي العموم اعتقد أن الخلاف بين المدارس الكلامية التي انتشرت في وقت مبكر من تاريخ الإسلام و بين مدرسة أهل الحديث قد تم حسمه مذ زمان وصار يعد من الموروث العلمي.. كما أنني أري أن الخوض في خلافات المذاهب الفقهية آمر يعني طبقة العلماء ولا داعي لاستعراضه مثلا في خطبة الجمعة التي يراد لها أن تكون جامعة لجمهور المؤمنين علي أساس العدل والإحسان و الموعظة الحسنة وفقا للنبرة التصالحية التي وردت في خلاصة الورقات المذكورة ...
بقي أنني مكثت علي ظمأ في بحثي عن سبيل للخروج من المأزق اللغوي السائد في عالمنا اليوم.. والذي تنحصر بموجبه السلفية في تسمية تيارات فكرية منها ما هو منفر إلي حد الغاية بتزمته و بتخلفه الذهني كمثل الشيخ الغبي الذي وصف عقل المرأة بأنه يعادل ر بع دجاج و بحكمه يوصف عباقرة المتكلمين الذين حصنوا الفكر الإسلامي في رحلة من الشك إلي اليقين و كذلك مشاييخ الذوق الصوفي الرفيع المتبحرين في عالم الأشواق و السالكين لدرجات التقي ، بالخارجين عن ملة آهل السنة؟ . بقي أيضا أن اعرف ما الفائدة اليوم من إحياء عهد الملل والنحل في غير زمانه و ما ذا نجني من التوغل في تحيين خلافات ماضي ولى و ليس يرجع .. ؟
المرجع : عبد القادر ولد محمد (فيسبوك)
----------------
⃰ العنوان الأصلي الذي جعله المؤلف لنصه هو : " سطور من وحي لملمة أوراق سلفية"
تصنيف: