على إثر التمرد العسكري الذي يشهده مالي منذ يوم أمس الثلاثاء، والذي اعتقل فيه المتمردون رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وأعضاء آخرين من الحكومة وقادة الدولة، اعلن الرئيس براهيم ببكر كيتا استقالته في كلمة متلفزة تم بثها على أمواج التلفزيون المالي. قال فيها:
"أُعلِن تخلي عن وظائفي، جميع وظائفي ابتداء من هذه اللحظة، وما يترتب عن ذلك من الناحية القانونية بما فيه حل الجمعية الوطنية وحل الحكومة."
عقلية انقلابية سائدة...
وقد قوبلت استقالته بموجات فرح عارمة من قبل الشارع والمواطنين الماليين. وبهذا يكون الانقلاب العسكري في مالي قد نجح عسكريا وسياسيا في اسقاط النظام رغم تنديده ومعارضته من طرف المجموعة الدولية. مما يدل على أن القارة الافريقية ما زالت توفر ارضا خصبة لتغيير النظام السياسي بطرق وأساليب غير قانونية وغير ديمقراطية.
انقلابيون يحاولوا أن يطمئنوا...
وقد أعلن زعيم المتمردين، الكولونيل مايجور إسماعيل ويگا القائد المساعد للقوات الجوية، انشاء "لجنة وطنية لإنقاذ الشعب". وعبر عن نيتهم "تنظيم انتخابات ديمقراطية في آجال معقولة وتوافقية" وأضاف "نحن لا نريد التمسك بالسلطة". كما أكد احترامهم للاتفاقيات االدولية؛ واحترامهم لاتفاقية سلام الجزائر وعزمهم على التعاون الوثيق مع قوة بركان الفرنسية وقوات الأمم المتحدة في مالي مينيسما...
أوضاع تنذر بالخطر...!
ورغم محاولة الانقلابيين طمأنة الرأي العام الدولي والوطني، ورغم ردود الشارع الأولية المؤيدة للإنقلاب، فإن هذه التطورات تشكل عناصر عدم استقرار خطيرة تهدد الأوضاع الأمنية الهشة في مالي وفي الساحل. حيث لها أثر سلبي على محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود وكذلك على انتشار جائحة كورونا واستقرار المنطقة. مما قد يزيد من حدة التهديدات والمخاطر الأمنية والصحية على الحدود الموريتانية يُخشى أن تتسرب بسببه مخاطر إلى داخل البلد وأن يلحق أضرارا بالجالية الموريتانية في مالي.
موريتانيا: لا تهاونَ ولا تشويشَ..
ولا شك ان السلطات الموريتانية سوف تعزز الأجراءات الأمنية على الحدود، كما أنها تعير طبعا اهتماها خاصا إلى وضع الجالية الموريتانية في مالي وتطوراته. ومن الطبيعي أيضا لمواجهة المخاطر الأجنبية، أن تعمل على تعزيز اللحمة الوطنية وتوطيد الأمن الداخلي بغية إعطاء دفع قوي، ثابت ومستمر، للورشات الاستراتيجية الكبيرة التي تستهدف التخفيف من الآثار السلبية، الاقتصادية والاجتماعية، لجائحة كوفيد 19 وما بعدها. وحول هذه النقطة الأخيرة، ينبغي بصورة خاصة الحذر من أي تهاون في محاربة الجائحة ومن أي تشويش قد يضر بعمليات الحكامة الرشيدة وبمحاربة الفساد والرشوة.
مجموعة "ساحل 5".. ودور الرئيس غزواني...
ومن جهة أخرى، فإن الأوضاع في مالي وعدم استقرارها لها أثر سلبي على مصداقية وفعالية "مجموعة الساحل 5". وفخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، بوصفه الرئيس الدوري لمجموعة ساحل 5، مدعو إلى لعب دور دبلوماسي نشط للمساهمة في حل الأزمة المالية بطريقة تقوم على البحث عن حلول ذات طابع دستوري في تغيير السلطة؛ حيث من المستبعد أن يعود الرئيس المالي المقال إلى وظيفته كما أن تولي الانقلابيين للحكم، كما بينوا، مرفوض من طرف المجموعة الدولية. وسيكون الحل بين هذا وذاك، أي: محاولة مراعاة الأشكال الدستورية مع اجراء تغييرات سياسية كبيرة في هرم السلطة.
ولكن، ألا يشكل هذا النوع من الحلول التوافقية تنازلا للمتمردين يعترف ضمنيا بمشروعية افعالهم الانقلابية ليس في مالي، فحسب، بل في القارة الإفريقية؟!
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: