الاستفتاء الدستوري: لن اعتذر لأي من الطرفين ǃ

تلقيت انتقادات متكررة  وبنبرة حادة أحيانا كردة فعل على مقال نشرته حول جانب من الأصداء الإعلامية للاستفتاء الدستوري الذي جرى في البلد يوم الأحد الماضي.. المقال يتعلق بتقييمي لأداء الطرفين الرئيسيين المتصارعين  خلال مشاركتهما في نقاش نظمته قناة بي بي سي العربية على الهواء مباشرة ضمن برنامجها "نقطة حوار" الذي خصصته لموضوع -" الأجواء التي جرى فيها الإستفتاء".

وقد طالبني البعض بتقديم الاعتذار لمن تناولتهم في ورقتي سواء كان ذكري لهم بالاسم أو بالصفة. وذهب حد التذمر ببعضهم إلى المطالبة بسحب المقال.

والمثير للانتباه أن هؤلاء المحتجين علي شملوا طرفي النزاع حول الاستفتاء الدستوري. والمثير للانتباه أيضا أن كليهما اتهمني بالانحياز للطرف الآخر.

كما يلاحظ أخيرا أنهم قلة قليلة جدا : لا أظن أن مجموعهم يتجاوز عدد أصابع اليدين هذا مع العلم أن عدد قراء المقال المذكور بلغ لحد الآن أكثر من 6500 متصفحا. ورغم ذلك، فهذه الأقلية الضئيلة جديرة بالإحترام.. ومن حقها أن تنال مني جوابا. وردا عليها، أقول:

  1. أنا لست حكما بين الأطراف السياسية المتنازعة.. ولست ملزما بالحياد ولا بالوقوف على نفس المسافة من كل منهم. بل لي موقف واضح يعرفه كل من يتابع كتاباتي او يعرفني من قريب أو بعيد : شاركت في الاستفتاء الدستوري.. وكنت أدعو للمشاركة فيه.. وصوت "نعم" يوم الاقتراع.. ودعوت إلى التصويت ب"نعم". وما زلت على نفس القناعة.. بل أنها تترسخ لدي أكثر فأكثر، ويوما بعد يوم، حتى بعد نهاية المسلسل الانتخابي.
  2. اتهمني البعض بأني "قَزَّمتُ" مشاركة أصحاب الموالاة في البرنامج التلفزيوني المذكور حينما وصفتها ب"لضعيفة والخجولة". وبأن تصرفي ربما كان متعمدا. ليعلم هؤلاء أنه لا ينبغي للمرء أن لا يرى إلا الورود حينما يتعلق الأمر بالصف الذي يدعي الانتماء له. بل يجب قبول الأخطاء والبحث عن مكامن النقص التي أدت إليها. وليعلموا أن لغة الأرقام تظل أشد عنادا منهم فيما يتعلق بالبرنامج المذكور وبمشاركة الصف الذي ينتمون إليه. ولنفسح لها المجال لتخبرنا بما جرى:

الزمن الكلي للبرنامج : 51 دقيقة و  22 ثانية؛ منها :

  • نصيب الداعمين للاستفتاء وللتعديلات الدستورية: أقل من 8 دقيقة
  • نصيب الطرف الرافض للاستفتاء وللتعديلات الدستورية : أكثر من  43 دقيقة

المتدخلون مباشرة على شاشة التلفزيون في البرنامج المذكور :

  • الداعمون للاستفتاء وللتعديلات الدستورية : 2 متدخل (السيد صالح ولد دهماش الذي تكلم خلال 6 دقائق تقريبا كضيف رسمي باسم جناحه السياسي وكان حديثه قيما.. ومتدخل آخر على الهاتف اسمه موسى الحضرامي)
  • الرافضون للتعديلات الدستورية : أكثر من 15 متدخلا على الهاتف بالإضافة للسيدة منى بنت الدي التي تدخلت على الشاشة لمدة زادت على  12 دقيقة بوصفها ناطقة باسم المعارضة المقاطعة.

المشاركون في الحوار الالكتروني (فيسبوك – تويتر – واتساب):

  • الداعمون للتعديلات الدستورية : 0 "صفر" متدخل
  • الرافضون للتعديلات الدستورية : عشرات المتدخلين.  

على ضوء هذه الأرقام، أؤكد من جديد ما كتبته في المقال السابق : مشاركة الطرف الداعم للتعديلات الدستورية كانت ضعيفة جدا. وهذا الضعف إنما هو مظهر بسيط من الإشكالية الخطيرة المتمثلة في طريقة تعاطيهم غير الفعالة مع وسائل الإعلام.. إشكالية  ذكرتها  في مقالي السابق  وأتمسك بما كتبته بشأنها.. وسأكرره هنا مرة اخرى :

" على صعيد آخر تبين من برنامج بي بي سي العربية الآنف الذكر أن حضور المعارضة المقاطعة للاستفتاء والمناوئة  بشدة للنظام الموريتاني كان قويا جدا على القناة مقارنة بالحضور الضعيف والخجول الذي اظهرته الموالاة. وضعف هذه الأخيرة في وسائل الإعلام ووسائل التواصل بشكل عام يعتبر من السمات البارزة للمشهد السياسي في موريتانيا.. ومن عواقبه أن صورة المشهد السياسي في الإعلام ليست هي صورته على ارض الواقع.

هل كان هذا الاختلال في ميزان القوى الاعلامية لصالح المعارضة الراديكالية.. والذي لا يعكس حقيقة ميزان القوى السياسية على الميدان.. هو ما يعنيه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بقوله أن المعارضة الموريتانية "معارضة افتراضية"... "لا توجد إلا على شبكات التواصل الاجتماعي

3 . أتهمني بعض المشاركين على الفيسبو ك بأنني نسبت إلى السيدة منى بنت الدي كلاما لم تقله لأنها "لم تذكر الجيش" على حد قولهم. أؤكد لهم أنها قالت بالحرف الواحد خلال الحوار التلفزيوني ما يلي: "نطالب الجيش  بالوقوف إلى جانب هذا الشعب.. وكذلك الشرطة".  وهي لا تنفي هذا.. بل إنها لم تعلق على الموضوع حسب علمنا. وإن كانت لغة الأرقام أشد عنادا من الاتهامات التي وجهها إلي "أنصار" التعديلات - كما بينتُه في الفقرة السابقة، فأن مقطع  الفيديو التالي هو الآخر أشد عنادا من أنصار الناطقة باسم حزب احمد ولد داداه : هذا المقطع السمعي/المرئي لا يترك مجالا للشك في مصداقية ما نسبته لها. فلتلقوا عليه نظرة  خاطفة لمدة 15 ثانية فقط :

 لكن يبقى السؤال التالي مشروعا: هل كان من حقي تأويل قول هذه السيدة بشكل قد يفهم منه أنها تدعو إلى ثورات شعبية أو إلى انقلابات عسكرية؟ أنا لم اجزم بذلك إطلاقا.. كما أنني لم استبعده.. لأنه لا تتوفر  لدي أدلة كافية للحكم  في هذا الاتجاه أو ذاك. لكنني طرحت سؤالا كان وما زال يراودني منذ أن استمعت إلى دفاع السيدة منى بنت الدي المستميت عن منظمي التظاهرات والاحتجاجات غير المرخصة.. وهي تصف منظمي هذه الاحتجاجات الخارجة على القانون ب"نضال الشعب" وتوجه نداء إلى الجيش وقوى الأمن  للوقوف إلى جانبه.. وأكرر من جديد نفس الاسئلة الذي طرحتها بهذا الشأن في مقالي السابق، مختتما بها هذه الورقة :

"هل الناطقة باسم حزب احمد ولد داداه تكرر من جديد الدعوة إلى ثورة شعبية على غرار هاوية " الربيع العربي" كما حاول حزبها وحلفاؤه من المعارضة المتشددة جر البلاد  في ذلك المنحى سابقا؟ هل هي تدعو القوات المسلحة وقوات الأمن إلى القيام بانقلاب عسكري، علما أن زعيمها - احمد ولد داداه -قد دعم الانقلاب الذي أطاح بالرئيس معاوية ولد الطايع كما دعم الانقلاب على سيدي ولد الشيخ عبد الله الذي قاده الريس الموريتاني الحالي.. كما يقال أيضا أنه – اعني احمد ولد داداه- ساند المحاولات الانقلابية الفاشلة التي قام بها " فرسان التغيير" أو على الأقل صار من شبه المؤكد أنه تعاطف مع قادتها ؟"

ملاحظة: للاطلاع على المقال السابق الذي يجري الحديث عنه في هذه الورقة، اضغط هنا.

البخاري محمد مؤمل.

 

 

          

 

تصنيف: 

دخول المستخدم