أسبوع كامل أو يكاد، وهذا الخبيث الذي تحدثتَ إلي منذ ساعات بشأنه يعذبني؛ وقد أتعبني، وأتعبك من قبلي، واتعب من هم حولنا، مستمدا قوته الضارة من طبيعته الجبانة التي تقتضي أن يأتي المرْء على غفلة عبر طرق ملتوية وخفية كي لا يفطن المريض ولا الطبيب لتستره حتى يتفشى في الجسم ويستنزف طاقته.. وكأنه سارق ليل رعديد.
نعم، لقد تباينت كما هي العادة ألوانه ومظاهره الماكرة، وإن كان لبوسه هذه المرة أشد خبثا، إذ تنوعت صيغه وتعددت، ثم تضافرت وانسجمت تماما وتلاحمت، رغم تباينها وتنافرها الشديد تارة: حمى متغيرة؛ صداع؛ سعال/ربو؛ تقيأ؛ انخفاض/ارتفاع في الضغط؛ إمساك/إسهال؛ آلام عامة/محددة، واخرى دقيقة/غامضة: في المفاصل، في العظام، في البطن، في الصدر، في الأطراف...؛ أرق متواصل/كوابيس نوم مرعبة ؛ فقدان الشهية/احساس بالجوع؛ إرهاق بدني... ولائحة الأعراض تطول.. وتطول... وتتداخل وتتباين!
وكما أسلفتُ، فإنني اعترف أن هذا الجبان البغيض أرهقني، وارهقك.. واظنه حيَّر طبيبي المعالج وغيْره ممن لهم ضلع في الموضوع من أهل الخبرة - وأربكنا جميعا أحيانا؛ لكنني، أقول له وأكرر، على ضوء ما فعلتَ:
"عملا بما جاء في "فوكال"، أخي الفاضل الثمين (بلَّاهي )، شفاه الله وأطال في عمره- فقد حسمتُ الامر نهائيا، وبشكل لا رجعة فيه: أنا الفائز وأنت الخاسر!
فأعلم، أيها المرض، الشرس والخوار في نفس الوقت، أن بأسك- أيا كانت حدته- وخبثك لن ينالا من عزمي. وسر تفوقي ونجاحي عليك من السهل إدراكه، أيها الغبي العنيد: كما اشار إلى ذلك أخي الثمين، قوة إيماننا بالله عز وجل أعظم من مكرك وأحلى وألذ طعما من آلامك؛ فهي تنسيني كل مرارة؛ كما تنسيه كل المكاره: ما حضر منها و ما غاب.. آه ! لوكنت تعرف حلاوة الإيمان لدينا وضعفك أمامها، لما قصدتَه ولا قصدتَني.. ولا تسللت خفية- أوجهارا- إليه وإلى إليَ!
كما أن ربي الكريم منَّ علي بأسرة رائعة اعتز بها وبأصدقاء كريمين عزيزين علي.. استمتع بهم جميعا.. وهم يكافئونني أضعافا مضاعفة : يشكل تعلقنا المتين- بعضنا ببعض- مصدر الهام لا ينضب، يشحذ همتي وإرادتي.
وبفضل إيماني الراسخ بربي ، وبفضلهم، لن أرضخ لبأسك.. بل نسيتك واستأنفتُ حياتي وفقا لما أراد الفاعل الواحد الأحد أن أكون.
وكأي ظالم، ستعرف جيوشك المؤلفة من جنود الأوجاع والآلام "أي منقلب ينقلبون".
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: