هذا المساء كان ذهني شاردا.. و أنا أموج داخل الفيس بوك.. انتقل من صفحة لأخرى دون عناية كبيرة بما يمر أمام اعيني على شاشة الحاسوب.. و نفسي تستفسر و كأنها تعاتبني:
"ما هو قصدك من تضييع الوقت هكذا ؟"
فأجيبها.. هائما.. دون تركيز:
"لست ادري! ".
و في مرحلة ما من هذا السفر مع ذاتي.. و عبر ذاتي، التقيت بصديقة.. هي الأخرى يبدو أنها من الذين قد تعودوا المسير على نفس الدرب. رفقتنا لم تطل.. بل اقتصرت على وقفة قصيرة أجريتها على مشارف صفحتها. حيث قرأت لها تدوينة تبدو لأول وهلة : هزلية. سطحية... لا تستدعي اهتماما كبيرا..
بعد تأن، تبين لي أن هذه السيدة (س) طرقت من خلال "دعابتها" باب إشكالية انسانية مركبة تشغل بالنا كلنا.. وإن كان ضغطها علينا يتفاوت ويختلف في مظاهره من إنسان لآخر..ألا و هي : الهوية..
و قد تعرضت (س) للمعضلة مختزلة إياها في الإطارين الزماني و المكاني للوجود، وبأسلوب مثير أو شيق لما استخدمت رسما ساخرا وسألت ـ أو تساءلت ـ بصيغة المخاطب في عبارتين قصيرتين جدا بالعربية و بالفرنسية.. قائلة :
"وينكم ؟" (?Où êtes vous) .
وبينما أنا اردد سؤالها.. وأحاول التأمل في الموضوع.. لعلي أصل إلى جواب، انساب سرا إلى مسامعي رنين نغمات شعر تفوح من المهجر.. إيليا أبو ماضي هو مصدرها لما فتح الباب أمامنا على مصراعيه في أوائل القرن الماضي.. موظفا حسه الفلسفي العميق.. متسائلا .. ومجيبا أحيانا.. الشوق و الحنين قوت الهامه... و الحيرة في الوجود و من نفسه مقوده.. وهو يردد:
"من أنا؟".
تقبلت رسالته المتسائلة بصدر رحب رغم جنوحي وميلي الطبيعين ـ كمعظم الناس ـ إلى الحصول إلى رد دقيق يشفي غليلي المتكاسل الذي قلما يتحمل التريب أو الشك .. غير أنني على عكس عادتي، لمست هذه المرة طعما لذيذا في هذا النوع من الجواب الإستفهامي.. لأنني شعرت أنه لا يصد الأبواب أمام التفكر الذي أمر به خالق الكون ورب العزة.. فأخذت وعدا على نفسي بأن أشاطر معشر الفيس بوك احساسي بهذه النكهة الفلسفية التي تراود كلا منا لما يستجيب لدعوات التامل في نفسه وفي ما حوله.
جعلني الله و إياكم من: "وَالْمُوفُون بِعَهْدِهِم إِذَا عَاهَدُواْ" ....
العقيد البخاري محمد مؤمل
بكين، مايو 2015 .
تصنيف: