صحيح أن إجراء تربويا من هذا النوع مثبط للهمم.. محبط للآمال والأحلام.. ولا يليق ببلد نام مثلنا، إطلاقا؛ وعلينا أن نقولها مرارا وتكرارا: سبع مرات.. أو ثمانية.. أو يزيد؛ كما فعل الخليل النحوي: (انظر: حول مشكلة اكتتاب الطلاب في الجامعة، الخليل النحوي يقول ويكرر: لا يليق بنا... لا يليق بنا..."
نعم، التعبير الصادق بقوة اليقين الهادئة عن الغضب الشديد والمشروع رسالة بليغة تسير بخطى ثابتة، بعيدا بعيدا.. في الأنفس.. وعبر الفضاءات المختلفة: الزمانية والمكانية وغيرها. وكلنا نتذكر في هذا المنحى "J’accuse " -(أنا اتهم)- للكاتب الفرنسي أميل زولا، مدافعا عن النقيب دريفوس. كان ذلك في 13 يناير عام 1893.
الضحية آنذاك ضابط ظُلم بسبب ديانته التي لا تروق لقيادة الجيوش الفرنسية المعادية للسامية. وتحداهم الكاتب في رسالة مفتوحة وجهها إلى رئيس الجمهورية فيليكس فور تحت عنوان " أنا اتهم" .. وزع فيها كثيرا من التهم الخطيرة وجهها إلي عديد من القادة الكبار في الجيش وفي الدولة وخصص فقرة لكل متهم يشرح فيها مآخذه عليه، تبدأ كل فقرة بعبارة: " أنا اتهم".
أما اليوم، وبعد قرن وأكثر من ربع قرن على ذلك الحدث، وعلى بعد آلاف الكيلومترات من مكانه، فإن الكاتب والشاعر والسياسي الموريتاني النائب الخليل النحوي أطلق صرخة كررها مرارا لا تذكرني- فحسب -برسالة أميل زولا.. بل تفوقها قوة وعدلا وبرهانا: الإجراء المدان هنا لا يمس فردا بعينه ولا واقعة محددة، وإنما ينال أجيالا عديدة ويجعل مستقبل أمة بكاملها في خطر شديد، إن هو لم يُردع. ولو أن المُدِين ينأى بنفسه بعيدا عن الاستفزاز واتهام ألآخرين.
أما أنا، وعلى غرار مؤلف " J’accuse"، فإنني اتهم فاعلين متنوعين. لكن خلافا للكاتب الفرنسي، لن اذْكرهم بالأسماء ولا بالوظائف، فردا فردا، وإنما أتوجه إلى جميع من ضلعوا في عملية منع الشباب من التعلم.. وأقول لهم وألح : بغض النظر عن من انتم وعن دوافعكم، راجعوا انفسكم.. واعدلوا عن قراركم الفاسد المضر.. واعملوا على ضمد الجراح النازفة التي سببها. ولكم في هذا السبيل خير برهان وخير مخرج فيما قاله لكم وكرره الخليل النحوي بأسوبه المهذب والرزين من جهة، والبليغ والمتين من جهة اخرى:" لا يليق بنا_(...) تغول العصا على القلم والسوط على الحلم"...
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: