الحرب تتواصل دون انقطاع على غزة وعلى الضفة.. عنيفةً، فتاكةً بالفلسطينيين.. والمفاوضات تُستأنف وتتكر من جديد دون جدوى، ثُم تُستأنف وتتكرر... ربما لإشغال واستهلاك الرأي العام، أو حمايةً للقيمة السياسية للوسطاء من الانهيار التام في "بورصة" التفاوض.
العمليتان – الحرب والمفاوضات- تسيران متوازيتين، لا تلتقيان أبدا.. تماما كما يريد لهما نتنياهو.. وترضى وتقبل به واشنطن على مضض.
وهلْ جو الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، المشحون، يترك لها- أيْ لإدارة جو بايدن- من خيار غير الرضوخ لضغط اللوبيات الصهيونية و"المتصهية" الداعمة لإسرائيل ولخط رئيس وزرائها المتشدد؟
والضغط طبعا يَزيد اضعافا مضاعفة على نائبته في البيت الأبيض- كامالا هاريس- بوصفها مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسيات.
وهذه العناصر - ضعف الإدارة الأمريكية وتذبذبها أمام دعاة الحرب، وتحت ضغط شديد من يمينٍ متطرف قوي أمريكي وإسرائيلي، وفي ظل الاستئناف المتكرر لمفاوضات مع حماس لا تقدم ولا تؤخر- في هذه العوامل والمتغيرات مجتمعةً، يجد نتنياهو مبتغاه: صمَّامُ أمان لبقائه في السلطة ولتعزيز موقف التيارات الصهيونية، اليمينية والمتطرفة، التي ينتمي لها ويتحالف معها.
من جانبها، حماس وفصائل المقاومة الأخرى تتصرف.. بعيدةً كل البعد من الموت الموعودة بها من طرف العدو.. بل تُواصل تصديها له، مصرةً كل الإصرار، عنيدةً.. لا تستسلم.. لا تُقهر.
الخاسرون لحد الآن في الحرب وفي المفاوضات ليسوا نتنياهو، ولا حماس... بل أظنهم المناورين السياسيين مثل: الولايات المتحدة، السلطة الفلسطينية، دعاة "التطبيع"... وآخرين الله يعلمهم. جميعهم يحاولون بصعوبة، كل من موقعه، تداركَ الموقف ليكون له موطئ قدم فيما يجري، على قدر طموحه.
بينما الحرب تُراوح مكانها: عبثيةً.. لا تخلو من غموضٍ ومفارقاتٍ معقدة، يستحيل معها التنبؤ بمآلات الوضع.
الأطراف المتصارعة نهكتْ قواها بدرجة لا يستهان بها، بطرقٍ ونسبٍ طبعا متفاوتة.
خلال الشهور العشر المنصرمة، خسائر الفلسطينيين، البشرية والمادية، بلغت مستوى غير مسبوق في العالم، إن نحن قارنا نفس المدة بفترات مماثلة من الحروب الماضية. بينما يزيد ويعلو تباعًا تصميمُهم وقوةُ إرادتهم في مواجهة ومحاربة العدو.
إسرائيل تعيش محنةً عويصة متعددة الأوجه، عسكرية، اقتصادية، دبلوماسية، سياسية... لم تعرفها من قبلُ. وقد بدأت تظهر اعراضٌ لاستحالة تحملها، بلا شرط ولا قيد، من طرف "العم سام"، بوصفه الراعي الحامي لحياتها وأمنها منذ أن احتل الصهاينة فلسطين وحولوها إلى دولة خاصة بهم.
لم يُهزم أيٌ من الطرفين. ولا تلوح في الأفق بوادر نصرٍ عسكريٍ حاسمٍ، سيُنهي الحرب.
الضغوط الخارجية هي ما يُعوَّل عليه لدفعهما إلى اتفاق. وحتى إن حصل هذا، فكم من الزمن سيدوم وقف إطلاق النار؟ ومتى سوف تضع الحرب نهائيا أوزارها؟
الجواب لا يتوقف على نوايا أو إرادة طرفيْ الصراع البارزيْن على ساحة القتال: ليس بيد إسرائيل ولا بيد حماس.
أطرافٌ وعوامل متفرقة أخرى هي الكفيلة بالإجابة. اسمها مركب ومعقد: مصيرُ التوازنات الجيوسياسية العالمية وخريطةُ تقلباتها، وأثرُ ذلك على مكانة الولايات المتحدة في موازين القوة العالمية، وعلى مكانة خصومها وحلفائها، الحاليين واللاحقين، في التشكُلات الجديدة والمتجددة للمشهد الجيوسياسي الدولي.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: