قبول الطالبان بسيطرة الأمريكيين على مطار كابول، والمسائل المسكوت عليها...

خلال الساعات الأخيرة الماضية، زاد الأمريكيون وعززوا تواجدهم العسكري في مطار كابول الذي يسيطرون عليه بدون منازع؛ فقد وصله ما يقارب 3000 جندي امريكي. ومن المتوقع أن يتضاعف العدد مرتين في الأيام القليلة القابلة ليبلغ 6000 مهمتهم المعلنة تكمن في تأمين اخلاء الأمريكيين والغربيين الموجودين في افغانستان وكذلك اعوانهم من الأفغانيين.

ما ذا خفي؟

من الواضح أن الطالبان يقبلون ببقاء مطار كابول تحت سيطرة القوات الامريكية. مما يثير تساؤلات كثيرة حول الموضوع وحول العلاقة بين الطرفين:

هل عمليات الإخلاء تستدعي وجود هذا العدد الكبير من القوات العسكرية الأمريكية؟ ونشير هنا إلى أن قوة برخان الفرنسية المنتشرة في منطقة الساحل لم تزد على 5100 جندي، رغم اتساع ساحة عملياتها التي تضم مالي، والنيجر وبوركينا فاصو... فلماذا مطار كابول وحده يتطلب تجنيد 6000 عسكري؟ هل هنالك أمور خفية وراء هذا التواجد العسكري الضخم؟ وما هي مدته؟

هل يوجد اتفاق سري، رسمي أو ضمني، بين الطرفين حول الموضوع ؟ هذا ما تشير إليه الدلائل. مما يوحي بأن نظام الطالبان الحالي قد يكون أكثر استعدادا للتعاون مع الأمريكيين أكثر من نظامهم السابق. وعلى  الجانب الآخر، فمن الوارد في هذه الحالة أن يكون الأمريكيون والغرب بصورة عامة بدورهم أكثر تفهما للطالبان الجدد.

وإن كان الاحتمال ضعيفا في رأي كثير من المراقبين، فلا ينبغي استبعاده بصورة مطلقة. الواقعية السياسية (realpolitik) قد تفرضه على الطرفين.

تعامل متبادل، كما يجري مع السعودية

حسب سفير فرنسي سابق، كان معتمدا في كابول، قبل أن يطرد الأمريكيون وحلفاؤهم الغربيون منها الطالبان عام 2001، فإن هؤلاء الأخرين عملوا فور توليهم السلطة من 2016حتى عام 2018 على بناء دولة إسلامية تتعامل مع الغرب ومقبولة منه على غرار ما يجري في السعودية. إلا أن تشدد الدول الغربية تجاههم، فيما يعني حقوق الإنسان، وإدانتهم الطالبان المتكررة لهذا السبب، والتي بلغت ذروتها من خلال قرارات مجلس الأمن المتكررة بمحاصرتهم سياسيا وفرض العقوبات الاقتصادية عليهم، شكلت عوامل خلاف شديد عمقت الهوة بين الطرفين. ثم زاد منها استقبال الطالبان للسيد بن لادن ورفضهم تسليمه للولايات المتحدة بعدما قام بتنظيم تفجيرات 11 سبتمبر 2001.

واليوم، فإننا لا نستبعد أن يكون الطالبان الجدد قد قدموا تعهدات تطمئن الأمريكيين بأن نظامهم لن يكون ملاذا ولا قاعدة خلفية للإرهاب "الاسلامي". وهو الشرط الذي ركز عليه الرئيس الفرنسي هذا المساء في كلمة رسمية وجهها منذ ساعات إلى مواطنيه وإلى العالم. وفي المقابل، فمن الوارد تماما أن تتحلى أمريكا والغرب عموما بنوع من المرونة تجاه نظام الطالبان الجديد حتى لا يتركوا، من جهة أخرى، المجال فاض أمام الروس والصين بوصفهما الخصمين العظيمين للولايات المتحدة وحلفائها.

ثلاثة تحديات أمنية كبيرة لا علاقة للطالبان بها

من الأفضل أن يقوم الغرب والدول المناهضة للتطرف بالتنظيف أمام بيوتها فيما يعني القضايا الفكرية والإيديولوجية التي يتغذى عليها الإرهاب. فالتطرف العنيف ينتشر فيها، تحت صبغة وألوان محلية. فلم تعد "الإسلاموية الراديكالية" هي العدو اللدود الوحيد. بل إنها في طريقها إلى أن تصبح في درجة ثانية أو ثالثة على سلم التهديدات التي تخيم على العالم بوتيرة متسارعة. فمع صعود الشعبوية واليمين المتطرف، يتطور تطرف عنيف بشكل خطير في الغرب ومناطق كثيرة من العالم من ابرز تجلياته الإسلاموفوبيا وحركات "الاستعلائيين البيض" (suprématistes blancs). ويُبيِّن احتلال أنصار دونالد ترامب لمبنى الكابيتول في 06 من يناير الماضي، والشعبية والمزايا السياسية التي يستمر الرئيس الامريكي السابق في نيلها  بشكل محير من تلك العملية الاجرامية، أن الخطر قائم بدرجة كبيرة في الولايات المتحدة. وهنا تكمن ورشة نامية في مجال محاربة هذا النوع من الإرهاب ذي اللون الأبيض. ولا علاقة له بالطالبان. ولا بطبيعة دولتهم الجديدة التي لن تكون معدية بالنسبة للغرب، أيًا كان نوعها!

ومن ناحية أخرى، يجب الا نغفل عن التحديات المتعلقة أو الناجمة عن جائحة كوفيد 19 وعن ظاهرة تغير المناخ. فالموضوعان يشكلا ساحات معارك خطيرة ليست صحية أو بيئية، فحسب، بل إنها تطفو بظلالها على جميع مناحي الحياة: السياسية، الأمنية، الأقتصادية... و الشكوك حولها والمخاطر الناجمة عنها تفوق بقية المشاكل التي تواجه العالم اليوم. وللتعامل مع هذه التحديات المعقدة والقاسية، فلدينا ورقة جيدة نسبيا: إنها  تبدو أقل إثارة للصراعات من المسائل أو القضايا الساخنة الاستراتيجية والجيوسياسية الأخرى. ومع ذلك، فليس كل ما يتعلق بالجائحة أو بالتغير المناخي ذا طابع توافقي؛ بل على العكس: الأمر بعيد من ذلك في كثير من الحالات!

البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)   

تصنيف: 

دخول المستخدم