خلال المقابلات الصحفية، يلاحظ أنه قل في العالم العربي والإفريقي من الإعلاميين من لا يتحلى بأحد السلوكين المتنافرين التاليين: مؤيد لضيف البرنامج أو ضيف النشرة أو معارض له.
المُحاوِر الداعم...
يحاور الصحفي ضيفه بأسلوب وطريقة يرضيان هذا الأخير تماما: يطرح عليه الأسئلة تمشيا مع رغباته.. بل قد يختار الأسئلة ويصيغها قبل بداية الحصة بالتعاون الوثيق معه أو تنفيذا لإرشاداته حتى.. ثم يعطيه الوقت الكافي للرد على كل سؤال خلال الحصة ولا يقاطعه إلا نادرا، وإن قاطعه فبما يعزز كلامه ويرضيه. وكأن الصحفي المحاور في مشهد دعائي هدفه تلميع صورة الضيف أو صورة الهيئة أو المؤسسة التي ينتمي لها هذا الأخير!
وفي بلادنا، شاع هذا السلوك وخيم بلا منازع حتى عهد قريب، وما زال منتشرا، خاصة في الصحافة الرسمية التابعة للدولة: الإذاعة، الوكالة الموريتانية للأنباء، التلفزة الموريتانية. بل كان معيارا رئيسيا مؤسِّسا لخطها التحريري. وهي تحاول اليوم التحرر منه بصعوبة.. مما يدفع أحيانا ببعض الصحفيين العاملين في المؤسسات الإعلامية العمومية خلال محاولاتهم الابتعاد عن نهج "الموالاة" إلى الوقوع في موقف الخصم تجاه من يحاورونهم، دون أن يشعروا.
المُحاور المعارض...
يقود الصحفي الحوار متبعا سلوكَ إنسان معارض يحاول، بقصد منه أو بغير قصد، الإيقاع بالضيف في موقف صعب. ففور ما يطرح السؤال ويبدأ الضيف في الإجابة، يسارع الصحفي إلى محاولة كشف نقاط الضعف في كلام محدثه ولا يبخل جهدا في التركيز عليها وتعميقها بغية إرباك الضيف وإحراجه.. ولا يتريب في مقاطعته حتى ولو كانت المقاطعة تمنع الضيف من توضيح فكرته وتشوش ما أراد بيانه. وكأن الصحفي خصم للضيف !
وهذا السلوك ينمو اليوم وينتشر شيئا فشيئا في البلدان التي تعتبر فيها حرية الصحافة وحرية التعبير ناشئتين. وطبعا لا تسلم بلادنا منه. ونراه يظهر خلال المقابلات التي تجري مع مسؤولي الدولة والشخصيات النافذة: الأسئلة التي يوجهها لهم الصحفي المحاور تدعم وتنبثق على العموم مما يقوله منتقدوهم وخصومهم. وهذا الجانب "التذمري" يجعل الكثير من القراء والمشاهدين والمستمعين يتعاطفون مع من يديرون المقابلات بهذه الطريقة. فطالما أن الصحفي لم يستخدم لغة عنيفة جارحة أو عبارات نابية يرفضها المجتمع، فهم يستمتعون بما في الصيغة من استفزازات "ناعمة" وإحراج ل"المسؤول". فيعجبهم هذا الصحفي "الشجاع" الذي لا يخاف من السلطة ولا يريد إرضاءها خلافا لما جرت به العادة . وهذا هو معنى حرية الصحافة ومهنيتها كما يتصورون. إلا أن الصحافة الحرة شيء، وصحافة الرأي شيء آخر.
مُعارِضة مهذبة، أمام خصم متمكن ...
سبق لي شخصيا أن عشت تجارب متعددة مع صحفيين موريتانيين وأجانب كنت فيها ضيفا.. ولم تخلُ دائما حواراتنا من أحد الخطين المتعارضين السابقي الذكر.
وهذا المساء خيل إلي- وأنا أتابع مقابلة وزير الصحة الدكتور محمد نذير ولد حامد على قناة الموريتانية- بأن إدارة المقابلة من طرف الصحفية التي حاورته لم تخْلُ هي الأخرى تماما من نفس الشيء. ومع ذلك، فقد أُعجِبتُ كثيرا وسعدتُ بالسلوك الشخصي الحسن الذي تحلى بها الطرفان، بغض النظر عن الناحية المهنية.
أما حول هذا الجانب الأخير، فسعة صدر الوزير وأريحيته وتمكنه من الملف، بالإضافة إلى اللغة المهذبة التي استخدمتها الصحفية وحسن أدائها الصوتي... كل هذه العوامل مجتمعة طغت إلى حد كبير وبشكل إيجابي على الحوار، حيث غطت نوعا ما الأسلوب الجدلي الذي شاب المقابلة، حسب قراءتي السريعة للمشهد الذي قدمته القناة.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: