لقد كنا على حق عندما أعلنا الحرب في الوقت المناسب على وباء كورونا الفظيع، الذي تسلل إلى بلادنا فوجدت منه حالات مؤكدة في مدينتي انواكشوط وكيهيدي. وقد خضنا في سبيل القضاء عليه معارك مظفرة، من أبرزها: إغلاق الحدود، وحظر التجول والحجر المنزلي، والفصل بين الولايات، وتوفير العلاج المتاح والرعاية الصحية اللازمة للمرضى والمحجورين، والاضطلاع بمعظم متطلبات ذلك.
وقد أدت هذه الخطة الموفقة والإجراءات الإيجابية المرافقة لها بفضل الله، وتفهم وتعاون وتكاتف وصبر الجميع إلى نتائج باهرة نذكر منها على سبيل المثال: القضاء على الوباء في بلادنا والحمد لله، واكتسابنا خبرة ميدانية وجهوزية نسبية لا غنى عنهما لمواجهة الطواري والأخطار!
ولكن هل وضعت هذه الحرب أوزارها؟ كلا طبعا. وقد أكدت ذلك في خاتمة مقالي: "على هامش الحرب ضد كورونا". فما دام هذا الوباء منتشرا في العالم عموما، وعلى حدودنا خصوصا، وما لم يوجد له لقاح مؤكد وواق، فإن خطر عودته سيظل قائما. وسيظل السهر على الوقاية منه فرض عين على الجميع حكومة وشعبا. يضاف إلى ذلك بإلحاح شديد ووجوب أكيد الاستعداد من الآن فصاعدا لمواجهة الكارثة الاقتصادية والاجتماعية التي اجتاحت العالم بسبب كورونا؛ والتي من أمثلتها انهيار الاقتصاد الأمريكي المهيمن على العالم و26 مليون عاطل عن العمل في أمريكا وحدها!
إن هذه الحقائق يجب أخذها في الاعتبار، دون أن تخيفنا أو تربكنا، أو تنسينا أن مواجهة هذا الوباء طويلة الأمد، وتحتاج إلى المرونة والصبر، ولا يجوز فيها بحال من الأحوال التشبث بسبب واحد والتخلي عن غيره من الأسباب، ولا تغليب جانب على غيره من الجوانب؛ بل يجب التبصر والحيطة وتحكيم مبدأي "لا إفراط ولا تفريط" و"لا ضرر ولا ضرار"!
وانطلاقا من هذه الرؤية الواقعية والحازمة يجب علينا - دون أن نتخلى عن إجراءات الوقاية العادية- اتخاذ إجراءين عاجلين هما:
أولا: فتح البلاد على نفسها، واستئناف الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمواصلات فيها، حتى لا يهلك الحرث والنسل فتكون فتنة! ذلك أنه لم يعد يوجد مبرر بالغ للإغلاق الداخلي ما دامت البلاد خالية من الوباء، وما دام إغلاق البلاد وإغلاق اقتصادها دون مبرر واضح ومؤكد وصريح، يؤدي إلى خسارة اقتصادية واجتماعية لا لزوم لها، وذات عواقب وخيمة!
قد يتذرع بعض القائلين بالإغلاق الداخلي بخطورة الوباء من جهة، وبما تقدمه الدولة والهيئات الاجتماعية من عون للناس من جهة أخرى. ونقول لهم ما يلي:
* إن التشبث بالإغلاق الداخلي لا يبرره إلا توفر ثلاثة أمور هي:
- وجود الفيروس بين ظهرانينا، ولم يعد موجودا والحمد لله.
- انعدام وسائل الوقاية والعلاج الأخرى؛ وقد أصبحت لدينا - والحمد لله- الوسائل من أجهزة ومستشفيات وأطباء مسومين ووسائل علاج! فمن ليست لديه الوسائل هو الذي يلجأ إلى "آخر الدواء الكي" أي الإغلاق الداخلي!
- جهل، أو تجاهل، ما للحياة الاقتصادية والاجتماعية ومختلف المرافق المعطلة الآن من أهمية. ولسنا في ذلك المستوى!
* أما ما تقدمه الدولة والهيئات الاجتماعية والمحسنون من عون للناس فإنه، رغم أهميته القصوى في هذا الظرف الخاص، قد لا يمثل عُشُر ما يكسبه الناس وما ينتجونه من عملهم وحراكهم. ثم إن له جانبا سلبيا مقيتا يتمثل في زرع الاتكالية والخنوع وعدم الإنتاج في المجتمع! فأن تُعلم إنسانا صيد سمكة خير من أن تعطيه سلة سمك برمتها، فما بالك إذا حررت طاقاتِ مَن مِهْنَتُهم صيدُ السمك أصلا!
ثانيا: تنفيذ برنامج اقتصادي كنا طالبنا به وقلنا إنه ثالثة الأثافي في هذه الخطة. ويتمثل في تعبئة محفظة مالية معتبرة لدعم المؤسسات الاقتصادية والخدمية المتوسطة والصغيرة التي تضررت من الإغلاق، لكي لا تفلس فتُوصَدُ أبوابُها ويُدفع بالقائمين عليها ومستخدميهم إلى الشارع! فهذا البرنامج الضروري لم ير النور بعد! ولم نسمع عنه شيئا حتى الآن، رغم تبني جميع حكومات العالم لمثله، ورغم وجود صندوقي تآزر وكورونا، وما حصلت عليه بلادنا من عون دولي لمكافحة الوباء وآثاره!
ولعل من أسباب عدم تنفيذ مثل هذا البرنامج غياب كل من وزيري الاقتصاد والمالية – حسب علمي- عن عضوية الخلية الوزارية المصغرة المكلفة بمكافحة كورونا وآثاره في بلادنا! وهو أمر غريب جدا!
تصنيف: