بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أيها الإخوة والأخوات
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أشكر الإخوة القائمين على هذا الاجتماع الذين أتاحوا لي فرصة الحضور بينكم اليوم للحديث عن سوريا وذكرياتي كأحد أوائل الطلاب الموريتانيين فيها ورئيس لأول اتحاد طلابي موريتاني أنشيئ بعد الاستقلال.
لكم مني جميعاً كاملُ التقدير والمحبة والعرفان. ولَك أيها الرئيس الفاضل المهندس محمد لمين ولد البنية وللدكتور يعقوب ولد بوبو الأمين العام وأعضاء لجنة الدعم، كامل الشكر على السعيَ في ألا تفوتني هذه الوقفة المشحونة بالذكريات وبالمعاني الرفيعة: ذكرياتِ الشباب والدراسة والطموح والهمم العالية في الحرية والعدالة والأمة العربية والقومية العربية والوحدة العربية...
ما ذا أقول لسوريا وعن سوريا؟ أأذكر جمالها أم عراقتها أم كرم أهلها؟ أأذكر تلك الأسرة الريفية التي كانت كلما حلت بالشام تتحفنا كرما بالجبن واللبن والفاكهة؟
أم صاحبَ البيت الذي كنا نسكن فيه وأصحاب البقالات المجاورين وأصحابَ المطاعم وكانوا كلُّهم لكرمهم يصبرون علينا كلما تأخرنا عن دفع ديونهم؟ وكثيراً ما تأخرنا لقلة المنحة ودوام تأخرها.
أم أذكر الشعورَ القوميَّ العروبيَّ الفائضَ والانفتاحَ على العرب وحسنَ استقبالهم وتعليمَهم في الجامعات والمدارس مجانا؟
أيها الإخوة والأخوات
حين الحديث عن سوريا، تتسابق الذكريات الطيبة. حتى كأن الزمن يرجع بي فعلا إلى تلك الأيام.
جئت سوريا سنة 1968م من أرض الكنانة مصر والتحقت بكلية الزراعة بجامعة دمشق. ولولا أن تفندوني لقلت إنني أراني بدمشق الفيحاء أمشي مشرِّقاً من الجسر الأبيض إلى جامعة دمشق، أرى الثانوية الفرنسية على يميني والمستشفى الإيطالي عن يساري .... ثم مقرًّ البرلمان وفندقُ الهيلتون. وحين أعبر جسر بردى أمر أمام معرض دمشق عن يساري ثم أصل إلى الجامعة.
هنا كنا نتابع المحاضرات النظرية بينما نتابع دروسنا التطبيقية في فرع الجامعة في الغوطة.
أيها الإخوة والأخوات
كان العرب في سوريا مكرَّمين، لا يحسون غربة ولا ينالهم تمييزٌ عن غيرهم من السوريين الذين اقتسموا معهم مقاعد الدراسة وآووا ونصروا كل الحركات الطلابية التقدمية العربية. ولذا حين أردنا عقد مؤتمر طلابي هناك، وجدنا التعاون والاستقبال.
ولما كنت سبق أن سجلت في كتابي" أتذكر" الموجودِ بين أيديكم قدرا لابأس به مما علِق بالذاكرة من رحلتي الدراسية والنضالية في المشرق العربي فسأكتفي هنا بعرض أهم إنجاز حققه الطلاب الموريتانيون الأوائل في سوريا وكانوا يومها يناضلون على جبهتين الجبهة القومية العربية والجبهة الوطنية الموريتانية.
ورغم نضالنا على الجبهة الأولى بانخراطنا في التنظيمات القومية في المشرق العربي فإن صلتنا بوطننا لم تنقطع بل كنا نحمل همومه ونعملُ للمساهمة في بناء هوية الدولة الموريتانية الناشئة.
وعلى هذه الجبهة الوطنية، عملت طلائع الطلاب الموريتانيين العرب لعقد مؤتمر في دمشق يجتمع فيه ممثلو التجمعات الطلابية الموريتانية العربية لضمها في اتحاد واحد تمهيداً لجمع كافة الطلاب الموريتانيين على اختلاف قومياتهم تحت راية واحدة في مرحلة لاحقة.
وكان الدكتور محمد محمود ولد أماه، العربي العروبي، الطالب في فرنسا سبق أن ناقش معناَ في القاهرة فكرة عقد هذا المؤتمر ثم اضطلع بدور كبير في التحضير له إذ تنقل بين تجمعات الطلاب في دمشق والقاهرة وباريس ونسق بينها، معتمدا في ذلك على دعم كبير من اتحاد طلاب سوريا.
حضرتْ إلى الشام للمشاركة في هذا المؤتمر وفودٌ طلابيةٌ موريتانيةٌ من دول عديدة.
- من موريتانيا والسنغال حضر المناضلان سيدي محمد ولد السميدع والأستاذ محمداً ولد الشدو.
- ومن فرنسا حضر الدكتور محمد محمود ولد أماه والمصطفى ولد أعبيد الرحمن وَعَبَد الله ولد إسماعيل وسيد احمد ولد حبت.
- ومن القاهرة حضر سيدنا عالي ولد صغيري
- ومن الكويت حضرمحمد ولد محمد الحسن ويعقوب ولد المصطفى.
- ومن سوريا شاركنا نحن الموجودون يومذاك: أنا واسلم ولد محمد الهادي واخليهن ولد الطلبة والشيخ ولد عبد الجليل واحمد سالم ولد أسويدات والعتيق ولد حم مين ومحمد الأمين المشهور بعلُّوم والحسين ولد عبد الله. وتعززت المجموعة بعبد القادر ولد الناجي وسيد محمود وبله ولد الشيباني..... وكان قد درس قبلنا في سوريا الضابط القومي الداه ولد الحسين.
وفي 22 يوليو 1968وفِي مبنى البرلمان السوري، انعقد الاجتماع التأسيسي للاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا UNEMAU بحضور قيادات الاتحاد الوطني لطلبة سوريا: عاطف ومحمد متعب وسهيل مهنا.
وانبثق عن هذا الاجتماع المكتب التالي:
- محمد المحجوب ولد بيه رئيساً
- محمد ولد محمد الحسن أمينا عاما
- الشيخ ولد عبد الجليل مسؤولا ماليا.
- سيدي محمد ولد السميدع نائبا للرئيس، مكلفا بالشؤون الداخلية.
- عبد الله ولد إسماعيل نائبا للرئيس ؛ مكلفا بالشؤون الخارجية
- سيدنا عالي ولد صغيري مسؤولا عن الأعلام
وقد أعجب الإخوة السوريون أيَّما إعجاب بنضج وتفاني الطلبة الموريتانيين كما أعجبوا بسعة اطلاعهم.
بدأنا بعد انتخاب مكتب الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا تنصيب فروعه في مختلف الدول.
واتخذنا من سوريا قاعدة تحركنا منها إلى البلدان المجاورة؛ فمن دمشق وبصفتي رئيسا للاتحاد سافرت بالباص إلى بغداد مخترقا صحاري وقرى كثيرة فرأيت عن كثب جزءا عريقا من بلاد العرب، من المؤسف أن زيارته اليوم شبهُ مستحيلة لما توالى عليه من أحداث.
وحين وصلت بغداد ولعلي كنت أول موريتاني يزورها بعد العلامة الشيخ محمد الأمين بن فال الخير الحسني (ت1351هـ/1932م)، اتصلت بالمسؤولين العراقيين وبدعم من الاتحاد الوطني لطلبة العراق حصلت لاتحادنا على منح من وزارة التعليم.
ومن المستفيدين من هذه المنح من أصبحوا صحفيين كباراً ومفوضي شرطة ومهندسين ووزراء في بلادنا.
ومن عاصمة المنصور نزلت جنوبا إلى البصرة ثم إلى الكويت لتنصيب فرع للاتحاد انتخب على رأسه الرشيد ولد صالح.
ثم عدت إلى سوريا التي كثفنا منها اتصالاتنا مع الحركات الطلابية العربية كالاتحاد العام لطلبة فلسطين الذى شاركنا في مؤتمره العالمي الذى حضرته وفود الاتحادات الطلابية من جميع القارات وافتتحه الملك الحسين بخطاب هام.
وأتيح لنا خلال هذا المؤتمر التعرفُ على الحركات الطلابية الأجنبية وعقدُ علاقات معها. وكان الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا واتحادية الطلاب الأفارقة السود في فرنسا FEANFالتي ينتمي إليها الطلاب الموريتانيون من البولار والسوننكه والوولف. وتلقينا دعوة من اتحاد طلاب اليمن لحضور مؤتمره العام في صنعاء وعلى حسابه فانتدبنا لتمثيلنا رئيس الفرع في سوريا يعقوب ولد المصطفي الذى أصبح لاحقاً دبلوماسيا مرموقا.
وفي دمشق ومنها وطدنا علاقاتنا مع الأحزاب والحركات السياسية العربية كحزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب والناصريين في بيروت والقاهرة واليمن.
ومن دمشق ذهبت إلى الأردن وزرت في الجبل شمال غربي عمان القيادة العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعلى رأسها الدكتور جورج حبش.
كما زرت قرية الكرامة حيث استَبسل الفدائيون في معركتها المشهورة التي جرت يوم 21 مارس 1968م.
وعشت فترة بين صفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في أغوار الأردن حيث كان أمينها العام الدكتور نايف حواتمه والتونسي العفيف الأخضر يلقيان محاضرات فكرية. وهكذاَ عرفت قسما كبيرا من المشرق العربي وبلاد الشام من خلال وجودي في سوريا ولا غرابة في ذلك فدمشق قاعدة الشام كله منذ القدم.
بعدما تمت المهمة الأولى بإقامة فروع للاتحاد بين الطلبة البيظان في كل من سوريا والكويت ومصر والسينغال وفرنسا والمغرب والجزائر والاتحاد السوفيتي، بدأت المرحلة الثانية وهي الاتصال بإخواننا طلاب لكور.
ورأي الرفاق في الاتحاد أن هذه المرحلة الجديدة تقتضي أن يكون رئيسُ الاتحاد حاضرا في فرنسا حيث الثقلُ العددي للطلبة الموريتانيين من قوميات لكور ولأن باريس قريبةٌ من الواقع الموريتاني وتتيح التحرك النقابي والسياسي.
وكان مما يعزز هذا الاختيار حيويةُ الأجواء النضالية في باريس وهي تعيش ما بعد ثورتها الطلابية في مايو سنة 1968 التي بلغت أصداؤها موريتانيا فعرفت في نفس الشهر مظاهرات عمال ازويرات المشهورة.
اتجهت إلى باريس نهاية 1969 قاطعا دراسة علم الزراعة الذي أهواه ومودعا إخوة ورفاقا مخلصين وبلدا جميلا. وتابعت دراسة جديدة هي التي تدور في إطارها اليوم محاولاتي الكتابية.
من فرنسا، تابعت الاتصال بفروع الاتحاد مع كوكبة من الطلاب منهم عبد الله ولد إسماعيل نائب الرئيس ومصطفى ولد اعبيد الرحمن رئيس فرع فرنسا وموسى فال ومحمد المختار ولد الزامل وأحمد ولد الزين والطالب محمد وعبدالودود ولد الشيخ ومجيد ولد كامل وعبدالله ولد عبدالفتاح وعبد الرحمن ولد بوبُ وعبد القادر ولد احمد وحبيب الله ولد عبدو وقدوري ولد السمان وهيبتنا ولد سيدي هيبه ويحيا ولد الحسن والتيجاني ولد الكريم ومحمد المصطفى ولد سيد احمد وغيرهم.
وأصبح الاتحاد الوطني سنداً للمباحثات الجارية بين التقدميين في الداخل سهل عليهم تخطى تناقضاتهم الثانوية وتوحيدَ صفهم في نضال مشترك من أجل إكمال استقلال البلاد في جميع الميادين.
واستطعنا بالحوار الصادق والشفافية والنضال المشترك لمدة عامين، كسبَ ثقة إخواننا من البولار والسوننكة والوولوف وتوحيدَ كافة الطلاب والمتدربين الموريتانيين.
ومن طلبة الهالبلار والسوننكة الذين ساهموا في هذا الحوار ولعبوا دورا أساسيا فيه: سماري عمار، كان إنجوار، با موسي، با إبراهيم دمبا، با عاليو إبرا، با مامادو راسين، با محمد الأمين، يوسف جـــﮔـانا، كان الله، بوكم محمد والأخوان كان بون وكان مامادو....
وهكذا قاد الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا الذي أسس في دمشق سنة 1968 إلى تأسيس الاتحاد العام للطلبة والمتدربين الموريتانيين UGESM سنة 1971 من كل الاتجاهات والقوميات.
وشكل هذا خطوة هامة في طريق تعزيز الوحدة الوطنية وتقوية الدولة. وذُكر أن المرحوم الرئيس المختار ولد داداه قال إن نظامه مهما تكن مآخذه على الشباب والطلاب آنذاك فإنه يعترف لهم بفضل توحيدهم لأنفسهم.
وفي الختام، إذا كان لي أن أذكر خلاصة أو درسا نافعاً لنا في موريتانيا من تجرية العيش في المشرق العربي فهي أن غياب الديمقراطية والتعامي عن معالجة ظواهر الفئوية والعرقية وغيرها من عوامل التفرقة والتشرذم، مفضٍ لا محالة إلى تمزق الأوطان وتدمير البلدان.
أماَّ علاج ذلك كله فبالعدل والتسامح والتواصل وتعزيز المشترك بين أبناء الوطن الواحد. بل بخلق مساحات جديدة للتواصل والتعاضد في كل المجالات، تزيد البناء الوطني متانة وقدرة على صد عوادي الزمان.
ثم إن مما قد يستفاد من تلك التجربة التي أتيحت لي وجيلي من الطلبة أن الإخلاص والجدية والإقدام والتعلق بالمثل الوطنية أسلحةٌ لا أمضى منها في تخطي الصعاب وتبديد سحب الشك بين مكونات هذا الوطن.
ولنتذكر جميعا ونحن نتكلم عن سوريا وبلادِ الشام أن من أسرار حيويتها وعراقتها وثرائها الثقافي، تنوعُها فالتنوع فرصة متاحة متى أُحسن استغلالها.
فلنحارب معا ولتحاربوا أنتم خاصة معشرَ الشباب كلَّ ما يفرق هذا المجتمع العربي الموريتاني فئاتِ وشرائحَ وانتماءات ينفي بعضُها بعضاً.
ولنحارب معا كل ما يضعف وشائج علاقات الود والأخوة بين مكونات شعبنا عرباً وبولارا وسوننكه وولفا فبالجميع نبني موريتانيا القوية المزدهرة.
حفظ الله موريتانيا وسوريا
حفظكم الله
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تصنيف: