لحسن: بخصوص النقاط المتعلقة بحادث طائرة الرئيس أحمد ولد بسيف كيف تبررون روايتكم للحدث في ضوء الرواية التي تقول إنه كان حدثا عرضيا؟
ذ. إشدو: سأصل إلى ذلك في النقطة الرابعة. وفيها يقول الرئيس محمد خونا ولد هيداله: "وعندما شكل بسيف حكومته وعهد إلي بوزارة الدفاع قبلتها لأنه عين أحمدو ولد عبد الله على قيادة الأركان" الرئيس هيداله لم يرض مغادرة قيادة الأركان إلى أن عين فيها زميله فقبل مغادرتها إلى وزارة الدفاع. وهكا أحكم الرجلان قبضتهما على الجيش واختطفاه.
ثم يضيف: "وعند ما بدأ بسيف في ممارسة الحكم تكشف لنا أن اختياره لهذا المنصب لم يكن موفقا، وأن الظروف الاستعجالية التي تم فيها لم تتح لنا فرصة التعرف على توجهاته السياسية وعلاقاته الخارجية، ولا على نمط حكمه؛ فقد ظهر لنا من قراراته الأولى أنه ليس الرجل المناسب للمشروع الذي كنا نطمح إليه، والذي هو باختصار مشروع الحكم التشاوري".
وماذا يقول بعد ذلك؟ "كما لاحظنا أن كادير الذي قرَّبَه ولد بسيف منه جدا كان يلتقي كل ليلة مع وزير الداخلية في النظام السابق، أحمد ولد محمد صالح، بعد إطلاق سراحه ضمن وزراء النظام السابق. كما لم يقطع ولد بسيف (وانتبه) خلال فترة حكمه أي خطوة في طريق السلام وإنهاء الحرب مع البوليزاريو".
كم فترة حكمه؟ لم تصل إلى شهرين!
"ومن هنا نشأ الخلاف بيننا وبين بسيف وجماعته ففكرنا في كيفية مواجهة تصرفاته، ولكنا كنا نستبعد إمكانية الانقلاب عليه لأنني وجماعتي لم نكن واثقين من أن أحمدو ولد عبد الله يمكن أن يحرك قيادة الأركان لصالحنا".
هذا يناقض ما سبق!
"وقد صرنا نلتقي بالرئيس المصطفى لننسق معه في مواجهة انفراد بسيف بالسلطة، وكان متجاوبا معنا في هذا المسعى".
عنصرا العاشر من يوليو أعادا التلاحم ضد بسيف!
لحسن: وهذا يثير التساؤل.
ذ. إشدو: بالطبع. ما دام الرئيس بسيف يقف في وجه مشروع العاشر من يوليو، ومن غير المضمون والمستبعد الانقلاب عليه فأي حل أنجع؟ أنا أطرح هذا التساؤل!
وهنا نقطة أخرى تثير التساؤل: بسيف رحمه الله – زيادة على هذا- كان قائد الكتيبة التي حمت انواكشوط من هجوم الولي رحمه الله، وتصدت له وصفَّتْه. إذن فالبوليزاريو تطالبه بثأر.
نقطة أخرى تثير التساؤل: سرعة التغييرات التي وقعت وطبيعتها. 31 مايو، أثناء الحداد، اجتمعت اللجنة العسكرية بحضور الرئيس محمد خونا ولد هيداله وأحمدو ولد عبد الله وبعض الضباط الموالين لهما فَصَفَّوْا من بقي من جماعة بسيف وصفَّوْا الرئيس المصطفى ولد محمد السالك، ونصبوا لولي رئيسا مكانه!
هذه السرعة تدل على أن كل هذه التغييرات كانت مبيتة وجاهزة!
نقطة أخرى: فيما يقل عن 60 يوما أمضاها الرئيس أحمد ولد بسيف رحمه الله في الحكم، نظمت الجماعات المؤيدة للبوليزاريو والعاشر من يوليو مظاهرات في الشوارع وأثيرت أحداث عنصرية قتل فيها طالب من أهل تجگجه، وجرى فيها ما أمكن من الشغب والفوضى لإحداث وضعية ملائمة لتغيير من هذا النوع.
وثمة أمر آخر: بسيف رحمه الله ليس الوحيد؛ فهناك جدو ولد السالك رحمه الله (وأنا إنما أطرح التساؤلات) وهناك محمد فال ولد لمرابط، شامخ، وابوه ولد معلوم وجابي رحمهم الله، تعرضوا لحادث في طائرة عسكرية قرب تجگجه.
من بداية الحديث عن الخلاف بين جماعة العاشر من يوليو في هذا الكتاب يعتبر الرئيس هيدالة أن محمد فال ولد لمرابط كان السبب الأساسي في إبعاد الرئيس المصطفى ولد محمد السالك عن تلك الجماعة، ويلقي عليه جميع المسؤوليات عن ذلك. ويذكر أنه أثناء توليه قيادة المنطقة الأولى كان يقدم تقارير عنه (عن الرئيس هيداله) يبعث بها إلى الرئيس المختار. أضف إلى ذلك أن محمد فال ولد لمرابط أخو قيادي في حزب الكادحين هو الطالب محمد ولد لمرابط الذي كان ينسق مع البوليزاريو كما سبق أن تحدثنا عنه، وكان ضد الانقلاب، كما هو موقف قيادة الكادحين.
هناك الرائد ابراهيم ولد جدو أيضا، يوم 16 مارس أيد جماعة كادير فاغتيل رحمه الله.
وهناك أمر آخر: قادة 16 مارس قبض عليهم وصدرت عليهم أحكام بالإعدام؛ فما معنى تنفيذ الإعدام فيهم؟ معناه - من وجهة نظري على الأقل- أن الاتجاه السائد في تلك الفترة أن كل من يرفع رأسه ضد تبعية موريتانيا لتلك الجهة تنبغي تصفيته.
لو أن قادة 16 مارس حكم عليهم بالإعدام ثم تركوا في السجون لأمكن أن نقول: لا. إذن فهناك إرادة!
هذه مجرد تساؤلات.
وهناك سؤال أخير أود أن أختم به هو ما يطرحه المحققون دائما: لمصلحة مَنْ هذا الحادث؟ أيمكن أن لا تستهدف الحوادث خلال هذه الفترة إلا الوطنيين الموريتانيين الرافضين لتبعية البلاد لاتجاه معين؟ الرافضين لاستسلام البلاد للبوليزاريو وحلفائها! بسيف، جدو ولد السالك، شامخ ولد لمرابط، جابي، جماعة 16 مارس.. أنا أتساءل!
هذه الأحداث كلها تخدم هذا الاتجاه الآخر وتصب في مصلحته.
أضف إلى ذلك ما تملكه هذه الدول من قوة ومن مخابرات، هنا في موريتانيا آن ذاك.
مسلسل التصفيات
لحسن: إذن أنتم من موقعكم ترون أن ما تسمونه بفصيل اليمين عاد مع الرئيس الأسبق محمد خونا ولد هيداله، إلى القيادة من جديد؟
ذ. إشدو: لا لا، أنا قلت إن انقلاب العاشر من يوليو كان من صنع ثلاث فئات:
1. اليمين الذي خطط له وقاده؛ أي ما يسميه الرئيس محمد خونا ولد هيداله جناح المدنيين وما أسميه أنا يمين الطبقة التي كانت حاكمة في حزب الشعب وجماعة حزب العدالة. هذا فصيل.
2. جماعة بوليزاريو.
3. جماعة البعثيين وقادة الحركات السياسية كما يصفهم الرئيس محمد خونا ولد هيداله.
الفصيل الأخير صفي بعد عشرة أشهر من انقلاب العاشر من يوليو مع إقالة الرائد جدو ولد السالك رحمه الله، وسيد أحمد ولد ابنيجاره ومحمد يحظيه ولد ابريد الليل أطال الله بقاءهما، فخرج من الحكومة. أما جماعة بوليزاريو فتحالفت مع بسيف ومحمد ولد ابه ولد عبد القادر وأحمد سالم ولد سيدي رحمهم الله، كما فصله الرئيس محمد خونا ولد هيداله هنا، حيث يذكر أنهم هم وبسيف كانوا في صف.
تحالفت جماعة بوليزاريو مع هذه الجماعة وتحالفت هذه الجماعة مع جماعة بوليزاريو مؤقتا من أجل 6 إبريل لإخراج جماعة المدنيين اليمينيين، وقد قرأت لك جزءا من البيان الصادر في السادس من إبريل، لكن جماعة بوليزاريو لما رأت مواقف بسيف الناصعة أعادت الكرة فتحالفت مع جماعة العاشر من يوليو اليمينية ومع الحركات اليسارية والانتهازية من أجل تصفية بسيف وجماعته، وحين فرغوا من هؤلاء كَرَّتْ جماعة بوليزاريو على جماعة اليمينيين فصفتهم! ففي 31 مايو 1979 صفي المصطفى ولد محمد السالك الذي كان ممثل تلك الجماعة في اللجنة العسكرية، بعد إقالة المدنيين من جماعته الذين كانوا في مناصب حساسة.
لحسن: في أي إطار تضعون وصول محمد خونا ولد هيداله للسلطة.. بماذا تفسرونه؟
ذ. إشدو: أفسره بما فسره به جميع الشعب الموريتاني؛ أنه ناور مناورات جيدة، فشارك في العاشر من يوليو، فتملص من جماعة المصطفى ولد محمد السالك في السادس من إبريل، ثم تملص من جماعة 6 إبريل يوم 31 مايو ومن المصطفى نفسه، وأحل محله الرئيس محمد محمود ولد أحمد لولي، ليقوم في الرابع من يناير 1980 بتصفية الرئيس لولي وأحمد سالم رحمه الله، فيجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء، وكان أول وزير داخلية عينه هو العقيد مولاي ولد بو اخريص، رغم ما يذكره من خلافات معه. ومن ذلك اليوم إلى 12/12 مرورا بالسادس عشر من مارس وبكل تلك الأحداث التي جرت، وأغلبية الموريتانيين تعتقد أن البلاد محكومة بصفة غير مباشرة من طرف ذلك الاتجاه الذي كان يحارب موريتانيا.
تصنيف: