كانت الساعة حوالي العاشره صباحا تسلحت بعدتي والتي لم تكن سوى قنينة صغيرة من الماء المعدني وجواز السفر الذي وضعته داخل جيب السترة التي كنت آمل منها أن تمنحني من الدفئ الكثير خاصة في قادم الايام و غير بعيد جلست على كرسي داخل محطة " المسافر " في إنتظار وقت الرحلة في ذهولي المعتاد دخلت سيدة أوربية بشعر أشقر كانت تحمل ملامح سيدات أوربا الشرقية وإن كانت ثيابها توحي بأنها لم تكن سوى إحدى تلك الباحثات في مجال البراري التي لطالما شاهدتها في قناة "أبوظبي الوثائقيه " حسب ملخص سريع أوحتلي به الذاكره في تلك اللحظه .
لطالما كنت فضوليا ومحبا للتعرف على الآخر خاصة في مناخ الأسفار ، تلك السيده ذات الملامح الشرق أوربيه والثياب الفرنسيه البسيطه قامت بإتصال هاتفي تكلمت خلاله بلغة فرنسية بدت في أذني أنها لغة بسيطة وأنها أي تلك المغتربة لا تنتمي لذلك الشطر الاستعماري المألوف من القارة العجوز ، كان بسيطا جدا إدراك ذلك من خلال النطق وإن كنت لا أرى في نفسي الحق في مثل تلك الملاحظة فبقاموس لغوي يكاد يكون منعدما باستثناء كلمات بسيطة من الشكل العام المنتشر من اللغة الانكليزيه بدت وكأنها لم تر النور وهي أي الكلمات تقبع في سلة مهملات الذاكرة منذ عشر سنوات حيث كانت اخر مرة أعبر فيها الحدود ، فجأة وفي لحظة دافئة تقف السيدة مجددا لتقوم بإتصال هاتفي آخر هذه المرة وجدت كلماتي الحق في الخروج من ظلمات الذاكرة حيث لاحظت البعض منها في اتصال السيدة التي أجرته هنا كان يقينا أنها ليست فرنسيه وليست أنكليزية أيضا فمازلت أرى فضولي يزداد في معرفة تلك الهوية
تعود تلك السيدة وتجلس على مقعدها في جو قارس حينها دخل ذلك الشاب العشريني يسأل عن وقت الرحلة أجابه مسؤول الاستقبال أن الرحلة ستنطلق في حدود الحاديه عشر بدا الشاب متوترا وبدت سترته أكثر حنانا ودفئا من تلك التي على أكتافي ، لايبدو أن السيدة الاوربية منشغلة كثيرا بما يجري فقد قامت بإدخال يدها كيس من لبلاستيك يحمل بعض الاغراض الصغيرة من ضروريات السفر كمادة للشرب تشبه العصير و كأشياء أخرى كانت أقرب ما تكون الى ما نسميه نحن بالعامية ( صراير الكهلات) أوكما بدا لي .
في لحظة هدأت المرأة حينها ركزت جل إنتباهي عليها حيث قامت بتغميض عينيها وأمسكت بتلك القلادة التي بدا واضحا رمز الصليب عليها و قرأت تعوذتها و أجرت تلك الصلاة التي يقوم بها الصليبيون والتي لطالما شاهدتها في الأفلام والمباريات هنا تذكرت ما كنت قد سمعته من إنتشار المبشرين في قارتنا السمراء بأجنتدتهم الخاصة .
بدا وكأن الباص الذي سيقلنا قد وصل وبدا أن جميع الركاب موجودون وجاهزون فهم لم يكونوا سوى خمسة أشخاص سيدة أوربية غامضة وثلاث مورتانيين وآخر يحمل الجواز المغربي بثوب محلي أصيل كان يضفي جوا خاصا على الرحلة الحدودية...
(لاحقا الجزء الثاني)
تصنيف: