لا أوافق رأي من يقولون أن الوضع السياسي في البلد جيد. كما أرفض دعوى من يظنون أننا نعيش احتقانا سياسيا. غير أن خلافي مع الطرفين نسبي.. رغم عمقه. فكلاهما مصيب ومخطئ لحد ما.
الاحتقان السياسي.. موضعه المعارضة المتشددة
الوضع جيد إن نحن نظرنا إلى جهة احد طرفي الصراع السياسي الرئيسين، بينما سنلاحظ احتقانا عويصا يعيشه الخصم الآخر بمشقة كبيرة بلادنا في غنى عنها.
السلطات تسير بخطى ثابتة تبعا للنهج الذي أراد رأس النظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز وفريقه للبلد.. لا يعكر من صفوتهم سوى انعدام قوة اقتراحات بناءة لدى أشد خصومهم بروزا وهذا بدرجة لا تعين قادة البلد على الاستفادة من طاقات هذا الجزء الهام من النخبة السياسية الرافضة للتعامل مع قادة بلدهم رغم ما يناله هؤلاء القادة من ثناء جماهيريي واسع في أوساط وفئات الشعب المختلفة ورغم ما يحققونه على الميدان من انجازات ساطعة من الصعب جدا تمرير نكرانها.
وهذا الافتقار لدى المعارضة المقاطعة إلى قوة التأثير الإيجابي يشكل فعلا مكمنا للاحتقان السياسي، و يعوق جودة وضعنا بدرجة لا يجوز التغاضي عنها.
المأمورية الثالثة.. ذخيرة تالفة
ينبغي على الموالاة وعلى المعارضة سويا.. وكل من يتصرفون تحت رايتهما.. أن يكفوا عن كل ما من شأنه أن يخذل الخصم. عليهم أن ينأوا بأنفسهم بعيدا عن نصب الشراك الوخيمة بعضهم لبعض. التلويح بشعارات مضللة مثل "المأمورية الثالثة" يشكل فخا منصوبا للمعارضة المقاطعة لعلها تتمسك به علما أنها في حاجة ماسة لوسيلة تشهرها كسلاح في وجه النظام .. وهي ميالة إلى الوقوع في الفخ بسهولة محيِّرة.
كما يمكن اعتباره من جهة أخرى أداة تشويش على الدولة. وهذه الذخيرة تالفة تماما أيا كان مستخدمها..
لأن شعار المأمورية الثالثة -سواء حمْله أم رفْضُه- تم حسمه نهائيا منذ أكثر من سنة، أي : في مساء الجمعة 21 أكتوبر 2016 في حفل اختتام الحوار الوطني الشامل بقصر المؤتمرات. تم حسمه آنذاك بطريقة لا رجعة فيها من خلال كلمة رئيس الجمهورية ومن خلال البيان الختامي المتضمن لمخرجات الحوار.
فالتمسك به اليوم.. والرجوع له باستمرار من وقت لآخر.. والتلاعب باستخدامه لتغذية خطاب سياسي يفتقر للعمق وللصدقية... كلها مناورات لا تجدي نفعا.. وكذلك الحال بالنسبة لمحاولات رفض مخرجات الحوار الأخرى التي حسم أمرها أيضا. ونفس الشيء ينطبق على محاولات رفض كل ما يصدر عن السلطة من عمليات تشاركية.
حذار من فوات الأوان...
وعلى أي قوة أو شخصية سياسية موريتانية لم تعمل بهذه المعطيات المعاشة والواضحة للعيان.. وبقيت تردد "لا"، "لا"... ردا على أي عملية سياسية الدولة طرفا فيها، فعلي اصحاب هذا النوع من المواقف المقاطِعة دائما أن يستخلصوا العبر من الضرر الكبير الذي لحق بمن بقوا لفترة طويلة قابعين عند شعار "اتفاقيات داكار" مطالبين بالرجوع لتلك الاتفاقيات بعدما تم تنفيذ نقاطها الرئيسية إلى أن اختار دعاتها من الطرف المعارض المتشدد الانسحاب منها وركوب موجة الربيع العربي ليحاولوا عبثا بعد ذلك العودة لها.. جهلا منهم أن "تاريخ الحروب الخاسرة يمكن حصره في كلمتين : فات الأوان."، كما هو مأثور عن بطل حرب المحيط الهادي أثناء الحرب العالمية الثانية، الجنرال الامريكي ماك آرثير.
يجب علينا الآن أن نكف عن تكرار الأخطاء لئلا يفوت الأوان مرة أخرى.
فأعفوا واصفحوا...
وليتأتى لنا هذا الأمر، ينبغي أن تنصب الأنظار من الآن فصاعدا حول ورشات جديدة تضفي قيمة إضافية على النقاش السياسي وتصوننا من اجترار الحسابات التكتيكية الضيقة ومن الصراعات الماضية العقيمة.
ورشات يتطلب تصورها ونجاحها من الجميع - معارضة وموالاة - أن يتغلبوا على قسط كبير من كبريائهم وان يجعلوا حدا لضخامة "الأنا" التي تشكل سمة ضارة بارزة لدى الكثير من النخب السياسية في بلادنا وفي غيرها من الدول النامية، خاصة في العالم العربي والإفريقي.
فبدلا من الأنانية والتصلب على المواقف فلنا سبيل واضح في قول الله عز وجل :
{فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
وأمر الله آت لا محالة... وهو التوفيق.. حسب ما ذكره مفسرون حديثون من بينهم محمد متولي الشعراوي رحمه الله..
وفقنا الله وساستنا لما فيه مصلحة بلدنا.. عملا بأمر ربنا.
تلكم هي أمنيتي بمناسبة السنة الجديدة.
وكل عام وانتم بخير.
البخاري محمد مؤمل
تصنيف: