شاع صيت محفوظ ولد الوالد إثناء غزو أفغانستان من طرف الولايات المتحدة تحت لقبه الجهادي "أبو حفص الموريتاني" الذي عرف به لما كان مفتي القاعدة في حياة أسامة بن لادن وصاحب المرتبة الثالثة فيها بعد بن لادن والظواهري.. والناطق أحيانا باسهما –خاصة خلال مرحلة القصف الجوي الأمريكي للعاصمة كابول. كما كان من أكثر فقهاء التنظيم قربا من زعيمه الراحل، حيث عهد إليه بتدريس أبنائه مقابل تعويضات مالية معتبرة تواصلت حتى بعد موت بن لادن عن طريق وصية لولد الوالد بمبالغ هامة من ثروته .
وبعد تقهقر القاعدة في افغانستان وتشتت قيادتها بين جهات متفرقة لجأ إليها أطرها الكبار، عاد ولد الوالد – أبو حفص- إلى موريتانيا قادما من طهران بعدما برأته المخابرات الأمريكية من هجمات " 11 سبتمبر".. وهو يعيش منذ أربع أو خمس سنوات مع أسرته في نواكشوط وفي ظروف مادية ميسورة..
ويبدو أنه تعمد لحد ما التحفظ من البروز في السياسة رغم أنه لم ينقطع تماما عن ذلك. فقد ظل يظهر من حين لآخر في الندوات وفي وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي.. لكن بشكل حذر.
غير أنه اليوم اتخذ منحى مخالفا.. خال تماما من أي تحفظ سياسي. وقد تجسد هذا فيما يمكن اعتباره نداء مُحيِّرا جاء في شكل موقف استنكاري وجهه منذ أقل من 24 ساعة إلى الشباب حيث برر بصورة غير مباشرة أي عنف أو خروج عن القانون صادر من هؤلاء ردا منهم على الحكم القضائي الذي صدر أمس ضد ولد امخيطير.. والذي وصف محفوظ ولد الوالد يوم صدوره بكونه "يوما أسود في تاريخ القضاء الموريتاني"
و وفقا لهذا التوجه التحريضي ، فإنه كتب - حسب موقع "المشاهد-" أن الحكم سيفتح الباب أمام "فئة الشباب المتحمسين الذين قد تدفعهم الغيرة على الدين، مع مثل هذه الأحكام القضائية إلى لإقدام على تنفيذ ما يرونه الحكم الشرعي بأنفسهم، دون الرجوع إلى أية مرجعية أخرى، بعد فقدان الثقة في القضاء."
ثم أضاف – نقلا دائما عن المشاهد: " هؤلاء في حالة إقدامهم على شيء من هذا القبيل ، وفي مثل هذه الظروف، سوف ينظر إليهم كثير من الناس على أنهم أبطال انتصروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن خذله القضاء".
تُرى كيف ستتعامل الدولة الموريتانية وغيرها من الدول والمنظمات الدولية مع هذا النوع من الخرجات الإعلامية المُحمَّلة بشحنة غضب عارمة.. صادرة عن قيادي "جهادي" سابق كان الشخصية الثالثة في القاعدة، شحنة قد يؤولها متلقو الرسالة على أنها دعوة غير مباشرة إلى العنف والعصيان ؟
هل هذا النوع من الخطاب يندرج في سجل "التطرف العنيف" كما عرفته أدبيات الأمم المتحدة وأدبيات اخرى كثيرة تدخل في باب محاربة الإرهاب، علما أن تلك التعريفات غير دقيقة وليست محل إجماع ؟
ومن المسَلّم به أن خطابات "التطرف العنيف"- رغم ما يثيره المفهوم من جدل- هي المغذي الإيديولوجي للإرهاب وهي حاضنه الفكري. لذلك فمهما كانت الإجابات، فإنه من الوارد أن تتحلى هذه التساؤلات.. وما شابهها.. وما قد ينجم عنها من عواقب.. بدرجة عالية من الاهتمام من لدن العاملين في المجالات الأمنية ومن لدن الباحثين في الشؤون الاستراتيجية.
البخاري محمد مؤمل
رئيس معهد أم التونسي للدراسات الإستراتيجية
تصنيف: