كنت دائما اسمع عن مفهوم حديث النشأة في الأدب العالمي والغربي بصورة خاصة.. كثر استخدامه مؤخرا ولم أكن اعرف أن العمل به كان سائدا في بلادنا منذ زمن بعيد إلى أن تلقيت رسالة من أحد الأصدقاء دفعت بي إلى التوجه بالسؤال التالي إلى شيخي وشيخكم، قائلا له :
"ما هو التناص في الأدب؟"
أجابني "الشيخ" أطال الله بقاءه بسرعة لا يحد منها أو يخذلها سوى حالة "الكونكشيون" التي تختفي أحيانا.. وتكون رديئة تارة أخرى. وهذه هي مشكلة كل منا مع شيخنا ويكيبييا : علاقتنا به خاضعة لنزوات موزعي خدمات الأنترنيت.
لكن لحسن الحظ، اليوم كانت "الكونكشيون" في الموعد؛ مما مكنني من تلقي جواب "الشيخ الموقر" كاملا.. واضحا.. وبأريحية قل نظيرها في التعاطي مع شبكة انترنيت في بلادنا.
وحسب رد الشيخ ويكيبييا علي:
" لتَّنَاصُّ، أو التعالق النصي (بالإنجليزية: Intertextuality) في الأدب العربي هو مصطلح نقدي يقصد به وجود تشابه بين نص وآخر أو بين عدة نصوص. وهو مصطلح صاغته جوليا كريستيفا للإشارة إلى العلاقات المتبادلة بين نص معين ونصوص أخرى، وهي لا تعني تأثير نص في آخر أو تتبع المصادر التي استقى منها نص تضميناته من نصوص سابقة ، بل تعني تفاعل أنظمة أسلوبية . وتشمل العلاقات التناصية إعادة الترتيب ، والإيماء أو التلميح المتعلق بالموضوع أو البنية والتحويل والمحاكاة. وهو من أهم الأساليب النقديه الشعرية المعاصرة وقد تزايدت أهمية المصطلح في النظريات البنيوية وما بعد البنيوية. وهو من المصطلحات والمفاهيم السيميائية الحديثة وهو مفهوم إجرائي يساهم في تفكيك سنن النصوص (الخطابات) ومرجعيتها وتعالقها بنصوص أخرى وهو بذلك مصطلح أريد به تقاطع النصوص وتداخلها ثم الحوار والتفاعل فيما بينها .أصبح مفهوم ( التناص ) واضحا (...) وهو يختلف عن السرقات الأدبية أو ( التلاص ) حسب مصطلح الشاعر والناقد الفلسطيني عزالدين المناصرة".
وتطبيقا لمفهوم التناص قديما وحديثا عندنا، كانت الرسالة التالية التي تلقيت من صديقي أبو المعالي الموريتاني (Abou Almaali Almouritani) نقلا عن صفحة الشاعر الحسين ولد محنض، وهي الرسالة التي أشرت إليها سابقا.
وهي تسرد نصوصا من الشعر الحساني وأخرى من الشعر العربي الفصيح تتمايز كثيرا من حيث إطاريها الزماني والمكاني وكذلك من حيث موضوعاتها. ورغم ذلك فقد تعمد بعض أصحابها ربط "علاقات تناصية بينها" مبنية على "تفاعل الأنظمة الأسلوبية" وفقا لتعريف "شيخنا الموقر" ويكيبيديا للتناص.
البخاري محمد مؤمل
------------------------------------------
من أمثلة التناص بين الشعر الحساني والشعر العربي / بقلم الحسين ولد محنض
عندما جاء العلامة السني المجدد الشيخ بابه بن الشيخ سيديا أوائل القرن المنصرم في كتابه عن تاريخ إمارتي إيدوعيش ومشظوف على ذكر الأمير محمد ابن امحمد شين قال: ((وكان ينتجع من تگانت دار ملكه إلى أرض تيرس ونواحيها، وفِي ذلك يقول مفتخرا وهو من جيد الشعر الحساني:
"نجع لعنايه والتشطاط
سوحل ابمبروم الليه
أكال ساحل عگلت الانباط
اكال تل المداحيه
اگلب ميجك واگليب الغين
كالهم نجع اخلاص الدين
واجوير وعگلت تورين
كالهم بين أهل النيه
وكال وحدو نعم اماسين
وافتاسه والعرگيه
نجع رفعت مسلم مظلوم
شام من درگل وادروم
بصماميط وتنيموم
ولعريبيات ولرويه
أوصد راحل باشناه اليوم
لارض گلمسي والليه"
وهذا طريق لشعراء العرب مسلوك، ومقصد من مقاصدهم غير متروك، أنشد في المفضليات لبشر بن أبي خازم من قصيدة:
"وغَيْثٍ أَحْجَمَ الرُّوَادُ عنهُ
بِهِ نَفَلٌ وحَوْذَانٌ تُوأَمُ
تَغَالَى نَبْتُهُ واعْتَمَّ حتَّى
كأَنَّ مَنَابِتَ العَلَجَانِ شَامُ
أَبَحْنَاهُ بِحَيٍّ ذِي حِلاَلٍ
إِذَا مَا رِيعَ سَرْبُهُمُ أَقامُوا
وما ينْدُوهُمُ النَّادِي ولكِنْ
بِكُلٍّ مَحَلَّةٍ مِنهُمْ فِئَامُ
وما تَسْعَى رِجالُهُمُ ولكِنْ
فُضُولُ الخَيْلِ مُلْجَمَةٌ صِيَامُ"))
ثم استطرد بابه بحس أدبي مرهف عدة نماذج من التناص بين الشعر الحساني والشعر العربي...
وعندما أراد التاه (المختار بن حامدن) بعد ذلك بخمسين سنة أن يترجم بعض النصوص الشعرية الحسانية إلى العربية في حلقاته المشهورة مع الأديب محمدن ولد سيد ابراهيم استطرد إلى ذكر بعض أوجه التشابه بين الشعرين مستشهدا بما قاله بابه بن الشيخ سيديا في تأليفه المذكور في التاريخ.
وكان مما ترجم التاه من الشعر الحساني في تلك الحلقات "طلعة" العلامة القاضى المشهور اميي (محمذن بن محمدفال) التي هي إحدى روائع الشعر الحساني:
"عن ملگاك الا انحاني
حد الگاك إلى الگاني
ول يلگ ذاك ثاني
نلگاه امن اوراه
ول خاط ذاك ماني
متعلگ فانراه
وان گاع احمدت لل
گد الخظت الاه
نلگ حد الگاك ول
نلگ حد الگاه"
فقال التاه مترجما:
"يا شادنا أتمــــــــــنى اليوم لقياه
وقالت الحــــــال إياكم وإياه
ما كنت لا قيــــكم فلأبغ لا قيكم
أو من يلاقيه حتى يفتح الله
ولْأحمدِ الله ولْأشـــكر مواهبه
والعبد حق عليه حمد مولاه
إذ كنت ألقــى الذى يلقاكم وإذا
لم ألقــه كان من يلقاه ألقاه".
ومن شدة إعجابي أنا بهذه "الطلعة"، وحضورها شبه الدائم في ذهني قلت بعد ذلك بخمسين سنة أخرى على سبيل التناص:
"إن هندا وارحمة لفتاها
سبت اللب من فتاها فتاها
قبلت منه حبه وهواه
وأبى الحبَّ والهوى أبتاها
منعاها لقاءه فتولت
واستهلت بدمعها مقلتاها
خانها نطقها فلم تبد فيه
أي نطق ولم تخن دمعتاها
لست أدري متى وأين أراها
منعاها من أينها ومتاها
غير أن الفتاة هي فتاتي
رغم هذا وإنني لفتاها
وإذا ما لم آتها سوف آتي
من أتاها أو من أتى من أتاها
وان گاع احمدت لل
گدت الخظت الاه
نلگ حد الگاك ول
نلگ حد الگاه.
المرجع : aalmouritani@gmail.com
تصنيف: