يدور الآن على نطاق واسع نقاش حول العواقب الخطيرة التي قد تنجم عن قنبلة عنقودية سياسية فجرها دون قصد منه المعارض المتشدد محمد ولد غدة الذي شاع صيته في الفترة الأخيرة بسبب تداعيات حادث سيرأدى إلى موت سيدة وطفل، حيث كان السيناتور هو من تسبب خطأ في الحادث.. وقد تم تسييس الحدث إلى أقصى درجة.
ويتهم ولد غدة وبعض أصدقائه في المعارضة المتشددة أجهزة الدولة الأمنية بالتصنت على هاتفه بمناسبة التحقيق معه حول حادث السير وبتسريب اجزاء من محادثات حساسة يبدو أنه كان يجريها عبر بعض شبكات التواصل الاجتماعي غير المؤمنة مثل : الوات ساب أو الفيسبوك.. مما تسبب في بثها بدون علم منه وخلافا لإرادته.
ومن أخطر هذه التسجيلات ما ورد في الشريط التالي :
ففضلا عن كون هذه الوثيقة الصوتية توحي بتبعية السيناتور ولد غدة لرجل الأعمال الشهيرمحمد ولد بوعماتو الذي ينشط كثيرا منذ فترة ضد النظام الحالي انطلاقا من منفاه الاختياري في الخارج، فإنها تفصح كذلك عن أمثلة دقيقة تتعلق بدور ولد بوعماتو ومعاونه الكبير محمد ولد الدباغ في تمويل بعض أطراف المعارضة المتشددة وخاصة تمويل مهرجانات المنتدى في الداخل المنظمة ضد الاستفتاء الدستوري المقرر اجراؤه يوم 5 من شهر أغسطص المقبل.
كما يقدم ولد غدة تقريرا شفويا يوجهه إلى ولد بوعماتو يتحدث فيه عن دوره الفعال - حسب قوله - في دفع وتأطير الفنانة والسيناتورة المعلومة بنت الميداح المنضوية تحت راية الحزب الحاكم وتعبئته لها من أجل مناهضة ومحاربة الرئيس محمد ولد عبد العزيز ونظامه متحدثا عن تجاوبها معه. وتحدث كذلك عن محاولاته استقطاب وجوه وطنية أخرى معروفة مثل : السياسي والكاتب محمد يحظيه ولد ابريد الليل الزعيم التاريخي لحركة البعثيين في موريتانيا و الرئيس السابق سيدي ولد لشيخ عبد الله...
ومن خلال التفاصيل، و المبالغ المالية التي تم ذكرها، والأسماء المستفيدة منها، والمناورات... التي يكشف عنها هذا التسجيل الصوتي، فإنه يطرح قضايا جوهرية من أهمها: إشكالية استخدام المال السري وما يتعلق به من شبهات من طرف السياسيين الموريتانيين بشكل عام.
وهذا طبعا يطرح أكثر من تساؤل حول مصداقية وأخلاقيات من يتعاطون مع السياسة والشأن العام على أسس من هذا النوع مهما كانت ولاءاتهم. والسؤال يتعلق بجميع السياسيين دون استثناء حتى وإن كان يبدو أكثر إحراجا في صفوف المعارضة الراديكالية التي يحاول زعماؤها عادة إقناع الناس بأنهم يحملون راية الشفافية والأخلاق النبيلة أكثر من غيرهم.
غير أنه حول هذه القضية بالذات، فلن يشفع لهؤلاء توجيه اللوم إلى الإعلام تحت ذريعة نشر تسجيلات محرجة بالنسبة لهم. لأن هذا بالضبط هو دور الإعلام طالما أن المعلومات تُعْنَى بالشأن العام وتتعلق بأمور تدخل في صميم اهتمامات المتلقي للمنتج الإعلامي. وهذا ما ينطبق فعلا على التسجيلات المنسوبة لولد غدة- و التي لم ينفها بل أكدها أحيانا كما أكدها بعض ممن وردت أسماؤهم في الوثيقة الصوتية المتداولة الآن على نطاق واسع نظرا لما تثيره من تساؤلات و من حيرة لدى المستمع. كما أنه من غير المجدي كذلك الغوص ولا البحث في الطريقة التي حصل الإعلام عبرها على هذه التسريبات.. فهو غير ملزم إطلاقا بالإفصاح عن مصادره، بل يجب عليه عدم الكشف عنها إن اقتضت متطلبات المهنة ذلك.
فالسؤال الذي ينبغي لجميع الفاعلين السياسيين ولغيرهم من المهتمين بالموضوع طرحه والتفكير فيه أكثر خطورة وعمقا من الاتهامات والخطب النارية المتبادلة التي يتراشق بها أطراف الصراع حول الاستفتاء الدستوري. المشكلة تتعلق بسد النقص لدينا في مستوى الأخلاق والقيم النبيلة في مجال الممارسة السياسية:
ما هي السبل والآليات التي ينبغي لنا التمسك بها بشكل يمكننا من التعامل مع الشأن السياسي بشفافية وبطرق سليمة : لا دخل فيها للمال السري و ما يحيط بع من شبهات ومن عمليات ابتزاز.. ولا دخل فيها كذلك للمغالطات و لا للمزايدات ؟ أولا ينبغي للدولة ان تسن ترسانة قانونية واضحة وتسهر على تنفيذها حول تمويل المنظمات السياسية وتمويل نشاطاتها بشكل يوطد ثقافة الشفافية ويضمن العمل بها بحيث يتم تحريم الممارسات السرية أو المشبوهة في هذا المجال؟ ألا ينبغي للفاعلين والعاملين السياسيين ان يصدروا بدورهم ميثاق شرف موحد يحدد ضوابط اخلاقية ملزمة للجميع في تعاطيعهم مع مصادر التمويل؟
ومهما كان التجاوب مع هذه الأسئلة؛ ومهما كانت صحة أو عدم صحة ما كشف عنه السيناتور محمد ولد غده بغير قصد منه؛ فإنني شخصيا اعتز بمستوى حرية الصحافة في البلاد ومهنيتها المتزايدة التين سمحتا بطرح هذا النوع من الملفات السياسية الحساسة والهامة على السطح ومن تمكين المواطن من الولوج إليها .. وأنوه بالوسيط الإعلامي الذي كان له السبق في نشرها.. وأخشى أن يكون ما خفِي أعظم وأخطر مما سُرِّب ‼
البخاري محمد مؤمل
تصنيف: