في منتهى الوعي ببشريته و الإدراك بما يعتريها من النقص و الضعف و القصور رغم الذي تُهدى من الفضائل و القدرات الفردية العقلية و البدنية، أقر الرئيسُ الفرنسي فرانسوا هولند ببعض "الأخطاء" التي ارتكبها خلال مأموريته مثل اقتراح نزع الجنسية عن فرنسيين من أصول أجنبية، و أكد أنه لن يرشح نفسه لخوض غمار الانتخابات الرئاسية المقبلة لأن الظروف غير مواتية لذلك" و معلنا أنه سيواصل مهامه كرئيس للبلاد بكل صدق و شجاعة حتى اللحظة الأخيرة من عهدته" و أنه لن يحيد عن خيارات الفرنسيين التي ظلت الموجه للمسار السياسي الفرنسي و الفيصل في تبايناته و اختلافاته و صراعاته منذ ما بعد ثورة (1789/1799) التي شهدت في أثناء اندلاعها و مسار أحداثها و تحولاتها الكبرى الفاصلة إعدام الملك لويس السادس عشر قبل أن تغير وجه العالم في المعاملة و التعاطي مع إرادة الشعوب و توجهاتها.
إنه موقف الرئيس فرانسوا هولاند الصريح و قراره الشجاع و إذعانه دون مكابرة أو عزة نفس ساذجة أو تحد سافر أو شطط وضيع أمام مجريات السياسة و تقلبات أحوالها لغاية "التناوب" و ضمان استفادة الدولة و الشعب الفرنسيين من كل التجارب و البرامج البناءة التي يحمل مشاريعها السياسيون المخضرمون و المثقفون المرموقون أصحاب الرؤى الاستشرافية الثاقبة.
و في القارة السمراء العصية على الديمقراطية و تغيير العقليات البدائية أحدث الرئيس يحيى جامع كما يسمي نفسه مفاجأة في الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخرا في بلاده و ذلك باعترافه قبيل الإعلان عن النتائج النهائية بالهزيمة أمام منافسه الفائز آدما بارو و من ثم تهنئته ومعلنا عن استعداده للعمل معه و التعاون على تدبير و تسيير شؤون البلاد لدعم استقرارها و تنميتها، الأمر الذي لم يكن متوقعا في أية لحظة و تحت أي ظرف.
و بغض النظر عما يشاع صدقا تارة و إجحافا تارة أخرى من شطط في الحكم و مزاجية صاحبه يحيى جامع الذي جاء إلى الحكم في العام 1994 بانقلاب عسكري أوقف على إثره النشاط السياسي إلى غاية وضع دستور عام 1996 و إجراء الانتخابات الرئاسية التي تلاها اقتراع برلماني عام 1997 قاما باسترجاع اسمي للوضع المدني و لتنظم بعد ذلك دورة أخرى من الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أواخر 2001 و بدايات 2002.
و في العام 2015 و بالتحديد يوم 11 ديسمبر 2015 أعلن الرئيس يحيى جامع تحويل دولته إلى جمهورية إسلامية في خطوة قال "إنها تهدف إلى تخلص بلاده بشكل أكبر من ماضيها الاستعماري، معتبراً أنه طالما أن المسلمين يمثلون الأغلبية في البلد (90٪)، فإن غامبيا لا تستطيع مواصلة الإرث الاستعماري فيما طمأن الأقلية المسيحية باحترام ديانتها وحرية معتقداتها" كما ذكر "أنه من حق النساء لبس ما يشأن وأنه لا وجود لشرطة دينية في بلاده".
و ما بين وعي الرئيس الفرنسي الذي لا قبيلة له أو جهة و لا شريحة و لا قوة فوق القانون أو تقارعه ليفرض نفسه على الدولة الفرنسية ذات النظام الجمهوري الديمقراطي و الشعب الواعي إلا بما يرضيهما من العمل البناء و الخدمة المجردة من باب الواجب التي تترفع عن الممارسات المخلة بقواعد العمل القيادي و ترضخ لوجوب التحلي بالمثل العليا التي يستلهم منها الشعب دروس ممارسة الحياة الديمقراطية المثالية و سبل تحقيق البناء و الأمن و الرخاء،
و بين حكمة الرئيس الغامبي يحيى جامع الذي كان دائما يبحث عنها في بلاد شنقيط و قد رأى أن الوعي الشعبي و إصرار المعارضة على حصول "التناوب" عن طريق صناديق الاقتراع بعيدا عن التزوير و الغش تملي عليه في حتمية هذا التحول الذي وجد متسعا في الأذهان و في الرفض للتعسف و إلغاء الآخر بشتى السبل الملتوية في الواقع، يرفع الستار نهائيا و الغشاوة عن أعين و عقول أهل آخر قلاع "القبول بالقهر و التجاوز و التهميش و التكميم و الإقصاء" و يكشف أحوال تقهقر الأحكام التي تسعى إلى فرض إرادتها و تمرير نظرتها و إحكام طريقة حكمها و أساليب تسييرها من دون اعتماد الحوار أفقيا و التشاور عموديا أو إشراك لكل طيف الحراك السياسي و المدني في الدولة.
فهل استفاد يحيى جامع من حكمة الشناقطة التي تصدح بها الحناجر على ألف منبر و منبر فيما لم تحرر يوما من ماضوية شديدة الحضور و بالغة وطأ المنسم على الأحوال التي تخرج عن دائرة عقلية السيبة التي نشأت في أحضنها و عن الطلاق من أمراض
تصنيف: