ويأبى الشعر المنافسة

يعتقد كثيرون منا أن سيدن ولد الشيخ سيديا الأبييري ليس إلا شاعرا فردا، مع أنه لا يقل علما عن أبيه الشيخ سيديا الكبير، وهي نفس الفكرة التي تساورنا عن امحمد
ولد الطلبه اليعقوبي الذي عرف شعره القاصي والداني
مع أنه كان عالما قحا.
وهو ذات التصور عن امحمد ولد أحمد يوره الديماني المعروف بجودة الشعر فصيحا وشعبيا، مع أنه كان عالما عارفا.
ومن جميل ما يروى أن امحمد ولد أحمد يوره سافر مع أحد أصدقائه إلى مدينة دگانه وهي وقتها قبلة القاصدين، فهي سوق حافلة للصمغ العربي، وللتبادل التجاري.
وكان ولد أحمد يوره ينوي أن يؤلف في شوارد الفقه.
فنزل عند رجل من اغرمان(تصغير أغرمن بترقيق الراء) وهي تطلق في الأصل على الروم النصارى، وأصبحت تدل على من رضي بالقطن والتعامل معهم.
وكان الرجل يمتلك مكتبة ثرية من المطبوعات النادرة في ذلك الوقت، أتى بها من المشرق فنزل امحمد بداره، وحين دخل المكتبة وجد بها شابين حديثي التخرج من المحظرة، أمرهما شيخهما بعد إنهاء المتون المعروفة، بتكميل تكوينهم بالمطالعة.
وأكب ولد أحمد يوره على كتب الفقه والتفسير يطالع فيها وكلما استوقفته مسألة يقفف عندها بيتا من الغزل، أو گافا
أو طلعة من لغن الوجداني.
لم يرق ذلك للطالبين من شيخ مسن يريد الاستفادة من كتب العلم. وقد زاد من مآخذهما عليه أنه كان يدخن،
ويترنم بالشعر الجميل، و يخفف في صلاته، ويتيمم أحيانا، ولم يلبثا أن صارحا صديقه بذلك.
ومرت أيام على هذه الحال ، وذات صباح جاء عبد الله ولد الحاج العلوي وهو من أشهر مشايخ الطريقة التجانية، وكان من أهل المواجد والأذواق، وما إن دخل حتى فوجئ به الشابان يعانق امحمد ولد أحمد يوره، ويرحب به ويجله إجلالا عظيما، وكانا عارفين بعبد الله ولد الحاج، فاستغربا تلك الحفاوة الزائدة وأسرا إلى عبد الله بمآخذهما على امحمد.
وبعد تبادل التحايا والأخبار التفت محمد بن أحمديوره إلى صديقه وقال:
أتعرف أمنيتي اليوم من الدنيا ؟
فأجاب:
- وما هي؟
فقال:
-أن أجد كبشا سمينا أُضَيِّفُ به عبد الله ولد الحاج.

ظهرت الأمنية بعيدة المنال، فامحمد جاء ضيفا يبغي الاستفادة من المكتبة، ولا صلة له بأهل المدينة، ولم يكن موجودا من الكباش إلا كبش صاحب الدار : وهو كبش أقرن أبيض مدلل، يحسنون القيام عليه، وينظفونه، ويتيامنون به،
وقد ربطوه إلى جذع شجرة دوم وارفة الظل أمام المنزل.

كان صاحب الدار يقضي سحابة يومه خارجها ولا يعود
إلا متأخرا.
ولما حان وقت الظهر قَدّمَ عبد الله ولد الحاج امحمد بن أحمد يوره ليؤم الصلاة، فرفض امحمد ولكن عبد الله حلف عليه.
فضرب بيده الأرض مرة واحدة وتيمم بتلك الضربة، ولما أقام للصلاة ورفع يديه لتكبيرة الإحرام إذا بالكبش ينقطع حبله ويمر من أمامهم مرحا يقفز يمنة ويسرة وقد تحرر من الرباط، فنظر إليه امحمد وقال:

ألَا أيُّهَـا الكبْـشُ الَّذِي حَـوْلَـنَـا تَمْشِي*
عليكَ سَـلامُ اللهِ يَـا كبشُ منْ كبشِ*

ثم أحرم مباشرة للصلاة، وجاء صاحب الدار مسبوقا وحين أتم صلاته، بادر إلى الكبش فذبحه، وأمر زوجه بإعداد الغداء.
وحين أكمل عبد الله ولد الحاج أذكاره بعد الصلاة، التفت إلى الجماعة وقال لهم:

- لقد قدم لكم امحمد اليوم ثلاثة دروس:

أولها في أصول الفقه: وهو أن الشرط ليس من الماهية؛ فالإقامة شرط في الصلاة، ولكنها ليست من أركانها الداخلة فيها، وبالتالي قد يقع بينهما منافٍ كالبيت الذي أنشد امحمد.

والثاني في الفقه: وهو أن الرخصة مبنية على التخفيف، والتيمم بدل عن الماء ورخصة في حال تعذره، أو عدم إمكان استعماله.

والثالث في علم أهل الباطن: وهو أنه رأى روح الكبش ستفارق بدنه، فودعه بذلك البيت.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الكبش في اصطلاح الصوفية يدل على نوع متميز من الأولياء، فقد يكون الكبش هنا إشارة من امحمد إلى رسوخ قدم عبد الله ول الحاج في الولاية.
منقول من صفحة الدكتورة باتة بنت البراء

تصنيف: 

دخول المستخدم