من هم الأعداء الحقيقيون لحقوق الإنسان في موريتانيا ؟

منذ سنوات كثيرة و قضية حقوق الإنسان "في" موريتانيا تثار باستمرار وبصيغ و أشكال مختلفة. وقد حددت هنا موريتانيا كفضاء جغرافي لهذه الورقة، لكنني لست ادري هل لاحظتم ـ سادتي القراء ـ كيف جعلتُ الظرف المكاني   " في "  بين مزدوجين   "  ". لأن القضية لا تتعلق حقيقة بواقع حقوق الإنسان داخل البلد.. بل إنها ترتبط إلى حد كبير بصورة يحاول البعض أن يرسمها لنا في أوساط خارجية. وقد ينجح في مسعاه المريب إلى درجة لا يستهان بها. الأمر الذي يدفع بي إلى التساؤل :   

متى ستعمل موريتانيا بجد وفعالية وبكل أطيافها ـ دولة وشعبا، مؤسسات عمومية وخصوصية ـ من أجل مواءمة سياستها الداخلية في مجال حقوق الإنسان مع الصورة التي تريد أن تبنيها للبلد في الخارج ؟

أطرح هذا السؤال بعدما تولدت في ذهني مفارقة ناتجة عن الملاحظتين التاليتين :  

1. كلنا نعلم في موريتانيا ـوحتى خارجها ـ أن الدولة قامت في السنوات الأخيرة بعمل جبار في مجال حقوق الإنسان لم يسبق له مثيل وقل نظيره في المنطقة؛ عملا شمل إنشاء ترسانة قانونية قوية تتكفل حقوق الجميع مهما كان نوعها، واستثمار أموال طائلة في سبيل ضمانها، وإقامة مؤسسات كبيرة كلها بحجم قطاع وزاري على الأقل تعمل جميعا في مجال حقوق الإنسان حيث تقوم بأدوار نشطة وبناءة، متعددة ومتكاملة. نذكر منها على سبيل المثال : مفوضية حقوق الإنسان ـ الوكالة الوطنية "التضامن"، المكلفة بمحاربة آثار الاسترقاق ومكافحة الفقر والدمج ـ اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ـ اللجنة الوطنية لمكافحة التعذيب...   

2. لاحظنا أكثر من مرة أن الهوة شاسعة بين ما قيم به و ما تم تحقيقه من انجازات هامة داخل الوطن في مجال حقوق الإنسان من جهة؛ ومن جهة أخرى بين الصورة السيئة التي يروج لها البعض في هذا الميدان الحساس والتي تلقى أحيانا آذانا صاغية خارج البلد وداخل بعض الهيئات الدبلوماسية الغربية المعتمدة والمقيمة في نواكشوط.   

ويعود السبب في الملاحظة الثانية إلى أن ناشطين ـ مثل حركة "إيرا" العنصرية والخارجة على القانون ـ يقومون بحملات مكثفة ضد النظام مستغلين ضعفه الإعلامي في مجال تنوير الرأي العام الدولي وخاصة في الولايات المتحدة وفي الغرب بصورة عامة حول الأوضاع الحقيقية لحقوق الإنسان في البلد. وٌقد تبين مؤخرا أن هذا التقصير يؤدى إلى تشويه صورة موريتانيا أحيانا وإعلاء كلمة أفراد أو جهات مناوئين لها يستخدمون شعار "حقوق الإنسان" كسلعة رخيصة. ووحدها الأقلية القيادية من بين هؤلاء ـ مثل بيرام ومقربوه ـ هم المستفيدون من هذه المتاجرة بالشعارات لأنهم يحصلون منها على مكاسب شخصية : مالية، سياسية، اجتماعية... أما ما بقي من المغرور بهم، فإنهم يقعون في شراك ميسوري الحال من هذه الفئة، ويسيرون خلفهم بسذاجة على نفس النهج ظنا منهم بصدق " مشروع مكافحة العبودية الذي يناضلون من اجله ضد النظام"  كما يوهم الزعماء أتباعهم ومناصريهم بهذا الشعار.

وهناك فئة ثالثة من السياسيين المعارضين  المتشددين الطامحين للسلطة ترصد الوضع دون أن تظهر بموقف واضح.. لكونها تنظر بعين الرضي إلى كل ما من شأنه أن ما يضعف النظام القائم بوصفه خصمها الأول. وهنا قد يقع تقاطع خطير في المصالح بينها مع "إيرا" أو مع أي متطرف آخر مُسَوق للشعارات الرنانة المعارضة للنظام يقودها إلى تحالف ظرفي معلن او مكنون مع هذا المتطرف أو ذاك.

 ومن هذه الطوائف المتباينة الدوافع  تنبثق فئة رابعة  هي الأخرى لا تقل خطورة.. وهي لا تنتمي من حيث أصولها ومواقعها الجغرافية لأي من المجموعات السابقة الذكر. بل إنها تنحدر عادة من أوساط غربية.. وبوصفها صدى لهذا الخليط، فإنها تلعب دور مكبر صوت ضخم له. هدفها ومحركها هو عدائية غريبة تجاه موريتانيا ليس لها من مبرر سوى أن أصحابها أجانب لهم شعور قوي بالحرمام والإحباط أو بالذنب داخل بلدانهم مع كونهم مولعين بالإثارة... وهذه العوامل مجتمعة وغيرها اوقعتهم في شراك متطرفين موريتانيين مناورين ومشوهين للحقائق. وقد وقعوا في مصيدتهم المموهة تحت شعار"الدفاع  عن حقوق الإنسان المسحوقة".

وهم بدورهم قد يوقعون قادة وحكاما من بلادهم في نفس المكيدة مُلحِقين بذلك أذى شديدا بالكفاح من أجل حقوق الإنسان بتحريفهم له وصدهم إياه عن وجهته الصحصحة والنبيلة وعن قيمه الفاضلة.

 فعلى موريتانيا بجميع أطيافها ـ وخاصة سياسييها وإعلامها، الحر منه والعمومي.. وعلى شركائها في إنحاء العالم.. أن يعلموا أن أكبر تهديد تتعرض له الحركات والمنظمات التي تناضل من أجل حقوق الإنسان في هذه المنطقة يكمن اليوم في كون مناورين يستخدمون مفهوم " حقوق الإنسان" كبضاعة رخيصة يسوقونها لتصفية حساباتهم الشخصية مع منافسيهم وخصومهم أو للحصول على منافع ومآرب شخصية لا تمت حقيقة لحقوق الإنسان بصلة فحسب، وإنما هي على النقيض منها تماما. وانطلاقا من هذه الملاحظة الخطيرة، فعلينا في موريتانيا وعلى المجتمع الدولي أن نبني حصنا منيعا ضد المتاجرين بحقوق الإنسان وذلك عن طريق فضح شعاراتهم المضللة.

البخاري محمد مؤمل  

تصنيف: 

دخول المستخدم