منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي والمعارضة الراديكاليةالموريتانية، بأقطابها اليسارية والإسلاموية والشرائحية، تخسر الرهانات، دون أن تتواضع لاستخلاص العبر من التخمينات الخاطئة والإخفاقات الإنتخابية المتكررة والشخصنة المفرطة. أعود في مايلي "لأذكر" ببعض محطات هذا الرهان الخاسر:
١- في سنة ١٩٩٢، اتخذت المعارضة الموريتانية قرارا -أثار وقتها جدلا واسعا داخل صفوفها- بعدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية احتجاجا على عمليات التزوير الممنهجة التي عرفتها الانتخابات الرئاسية في نفس السنة، قرار انعكس سلبا على وتيرة دمقرطة البلاد، مقارنة ببعض الدول المشابهة ذات المعارضات الأطول نفسا بخصوص توقيت التغيير والأدق معرفة بالمعطيات الوطنية والدولية والأكثر واقعية،
٢- على الزعم من المشاركة في الإقتراعات من وقت لآخر، ظل منطق المقاطعة الإنتخابية يشكل فرس رهان المعارضة الراديكالية، في تناقض أفقدها ثقة أوساط واسعة من الرأي العام وحيدها سياسيا،
٣- في سنة ٨..٢، أتيحت فرصة سياسية للمعارضة الديمقراطية، حيث كان بمقدورها الانخراط في "عملية تصحيحية" حقيقية أتاحها الخلاف السياسي الذي شب يومها بين أقطاب أغلبية سياسية تأسست أصليا على سوء فهم ...،
٤- في سنة ٢.١١، انخرطت المعارضة الراديكالية الموريتانية في ديناميكية "الربيع العربي" التي استهدفت حرق البلاد وتشريد العباد، انخراط تجاهل منظروه خصوصيات موريتانيا وطبيعة التحديات المجتمعية والإقليمية التي تواجهها،
٥- إثر حادثة "اطويله" الأليمة، ٢.١٣، عجزت المعارضة الراديكالية عن استيعاب حساسية اللحظة إنسانيا ووطنيا، فطفقت تتشفى (وتحنث!) وتغذي سيلا من الشائعات رديئة السبك في رهان على المجهول...،
٦- خلال سنتي ٢.١١ و ٢.١٥، وبتوجيه من فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد عبد العزيز، انخرطت بعض أحزاب المعارضة في حوار شامل ودون تابوهات ورفضته المعارضة الراديكالية متعللة ب"ممهدات للحوار" تعجيزية المنطق، إذ تفرغ العملية برمتها وبصفة استباقية من محتواها التفاوضي التقاربي،
٧- خلال الإنتخابات الرئاسية الماضية، تفرقت المعارضة الراديكالية أيدي سبأ، بين داعم لرمز من رموز حقبة الإستبداد في إطار تحالف ينم عن التعسف الفكري والإنتهازية السياسية، ومناصر للشرائحية الضارة بالسلم الأهلي ومشجع للفئوية التفريقية وحالم عقائدي لا يقيم وزنا لتطور المجتمع الموريتاني والعالم من حوله؛ سوء تقدير أقنع قيادات تقليدية وازنة من المعارضة بالإنصمام إلى الأغلبية الحاكمة وأحدث شرخا عميقا تؤكده المشادات الكلامية المريرة وشبه اليومية داخل كل حزب معارض على حدة، مريرة إلى درجة أنه أصبح من شبه المستحيل استمرارية بعض الأحزاب دون مراجعات جذرية. وكنتيجة حتمية لمسيرة الترنح الفكري والتشدد العملي، أفرزت المعارضة نمطا سياسيا سلبيا قوامه الإساءة الجزافية إلى شخص رئيس الجمهورية وإلى مؤسسات الدولة والتطاول على مقومات المجتمع ومقدراته.
أما اليوم والبلاد تشرف على تبادل سلمي وديمقراطي فريد في تاريخها، فبإمكان المعارضة الراديكالية أن تراجع نفسها ومقارباتها بشكل يخدم المصالح العليا للوطن وينقذها (أي المعارضة) من مصير الإندثار الذي أصبح يتهددها، وذلك من خلال:
١- الإعتراف الشجاع بحصيلة الإنجازات الإيجابية التي حققها فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز لموريتانيا، على أصعدة الأمن والحريات الفردية والجماعية والبنى التحتية وغيرها،
٢- القبول المسؤول بناتئج الإنتخابات الرئاسية الأخيرة، علما بأنها من الناحية الموضوعية تعتبر أفضل اقتراع شفافية وتعددية في تاريخ البلاد،
٣- فتح صفحة تعامل جديدة مع السلطات العمومية قوامها احترام رمزية رئيس الجمهورية والمؤسسات الدستورية الأخرى،
٤- مساعدة الأجيال الموريتانية الحالية والمقبلة على تجاوز عقدة انقلاب العاشر يوليو ١٩٧٨،
٤- تفعيل الدور "الإقتراحي" لمؤسسة زعامة المعارضة الديمقراطية في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تعزيز لحمتها الوطنية ومواصلة تحسين رافعات "الحركية الإجتماعية" من مدرسة عمومية نوعية وخدمات أساسية مستديمة وبنى تحتية محفزة للجهود الفردية والجماعية من أجل إنتاج السلع والخدمات والتأقلم مع التغيرات البيئية.
بكلمة واحدة، المساهمة في ترشيد وتمهين إدارة الخلاف السياسي من خلال القبول بحسن نية فخامة الرئيس المنتخب، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، خدمة للوطن ومصالحه الحيوية.
تصنيف: