نتائج امتحانات البكالوريا الأخيرة، لسنة 2021، هي أكثر المواضيع تداولا من بين الموريتانيين منذ إعلانها زوال أمس. ويجمع المتدخلون على أنها كارثية. وقد ذهب بعضهم إلى تأكيد ذلك مقارنة مع بعض الدول الأخرى كما بينوا من خلال الصورة التالية:
غزواني سبَّاقٌ، وصريحٌ...
وبدوره لم يتغيب رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني عن الركب، بل سارع إلى الادلاء بدلوه في الموضوع رغم ما يحمل بين طياته من جدل ورؤى متباينة وحساسة. وهو أول رئيس للبلاد يدخل هذا المعترك الصعب من بابه الواسع. إذ تناوله من زاوية تدعو إلى البناء انطلاقا مما تحقق، حتى وإنْ قَلَّ. فهكذا غرد مهنئا "كل أبنائنا الذين حالفهم النجاح في شهادة الثانوية العامة ولأسرهم التي سهرت على نجاحهم متمنيا التوفيق للجميع".
أما حول النواقص، فكان واضحا حول ضخامة التحديات، لما قال : "عمليتنا التعليمية ما زالت بحاجة لجهد مضاعف وتحديث آليات المسابقات الوطنية".
وسيدرك من يقرؤون بين السطور أن استخدامه لكلمة "المسابقات" توحي بأن الامتحانات عموما في موريتانيا -وعلى رأسها البكالوريا- يتم التعاطي معها كما لو كانت مسابقات. ونعتقد أن هذا الخلل الكبير هو ما أراد الرئيس ضمنيًا الإشارة إليه .
أقل الآجال الممكنة، والكَمُّ والكيْفُ معًا...
وبغية علاج الخلل الآنف الذكر، وغيره من النواقص البنيوية والظرفية، أجاب رئيس الجمهورية بأن "ذلك ما ستعمل عليه المنظومة التعليمية في الفترة القادمة."
ومن حق المرء أن يتساءل: متي سنحصد الثمار؟
ونحن نجيب: مهلا! لا ينبغي التسرع. إشكالية التعليم تكمن في أزمة بنيوية متجذرة ومركَّبة لا توجد عصى سحرية لحلحلتها بين عشية وضحاها. لكننا نصبو جميعا إلى بلورة رؤية استراتيجية في هذا السبيل. وهذا ما أمر به الرئيس محمد ولد الغزاوني حين أكد أنه سيتم العمل عليه من طرف الجهات المختصة.
إلا أننا نحذر القائمين على العملية ونذكرهعم بأن ميدان التعليم هو أكثر القطاعات اجتذابا و"استهلاكا" للدراسات، واغناها من حيث المصادر البشرية، وربما أيضا هو القطاع الأول من حيث عدد "الإصلاحات" التي شهدتها البلاد منذ الاستقلال إلى اليوم. ورغم ذلك فمخرجاته ظلت دائما دون المستوى المطلوب بكثير، بل إنها تسوء يوما بعد يوم حسب بعض الآراء التي قد تكون متشددة نوعا ما، ونحن لا نشذ عنها أحيانا (انظر: "النتائج المأساوية للبكالوريا في ثلاث كلمات لا أزيد").
ورغم أن النواقص كثيرة وعميقة، غير اننا نعترف أيضا بأن مسار النمو التعليمي لم يتوقف يوما، بل تحسَّن في بعض جوانبه الرئيسية. نذكر من ذلك كون عدد المستفيدين من العملية التعليمية في تزايد مطرد على مر السنين، مما يتسبب في مفارقة من الصعب التوفيق بين أطرافها: كلما زادت نِسبُ التَّمدْرس واعدادُ المتعلمين، اشتد الطلب على النوع وبرزت النواقص في هذا الجانب حيث من الصعب أن تواكب تطورات المضمون وتيرة النمو الكمي. وهذه معضلة كونية، تتعرض لها جميع الدول عبر المعمورة. وعلى أساسها تقاس نجاعة سياسة كل بلد. البلدان التي تتقدم هي التي تنجح إلى حد كبير في مواءمة الكم مع الكيف في المجال التعليمي. وهي التي تحقق نسبا مرتفعة في ميدان النمو البشري.
وفي اتجاهه يجب أن ينصب "الجهد المضاعف" الذي دعا له رئيس الجمهورية؛ وذلك بطريقة تتحقق بفضلها وتتعزز لحمتنا الوطنية، وخصوصيتنا الثقافية والحضارية الغنية بتنوع مكوناتها، وتضمن كذلك لنا تفاعلا بناءً مع متطلبات العولمة وما تقتضيه من تجاذب وتنافر بين الفاعلين المختلفين: دولا، منظمات، تيارات، فاعلين مصنفين وغير مصنفين... إلخ.
وأملنا هذه المرة قوي في الإصلاح التعليمي الموعود بقدر ما أن الحاجة له ملحة. ولا شك أن المسلسل معقد وينبغي أن يتم على مراحل من أولوياتها التعاطي السليم مع الامتحانات بأسلوب يزيح عنها صبغة المسابقات، وكأن عدد الناجحين فيها محسوم ومحدد مسبقا!
وحول امتحانات البكالوريا بصورة خاصة، يجب من جهة أخرى أن ننظر إلى نتائج المؤسسات التعليمية وتفاضلها تبعا لذلك، ليس فقط حسب نسبة عدد النجاح في مترشحيها لامتحان البكالوريا، وإنما أيضا حسب نسب التلاميذ الذين يبلغون السنة الثانوية الختامية. لأنه كلما كانت العمليات الانتقائية شديدة في نهاية كل سنة دراسية، فإن عدد التلاميذ الفاشلين الذين يفصلون عن المؤسسة، وربما عن التعليم نهائيا، سيتزايد قبل بلوغ مرحلة الترشح للبكالوريا. ولن تعوض خسارتَهم النتائجُ الجيدة في امتحان البكلوريا للباقين القلائل حتى ولو بلغت نسبة النجاح فيهم 100%.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: