"مِن وحْى جدَلِيّة الصراع" : قصة قصيدة

الحمد لله.
وجدتُّنى ذات يوم فى غُرّة سنة 1406هـ (1986م) أكتب شعرا على قافية عَوْصَاءَ من دون أن أكون قد أعددت لذلك عُدَّة.
كانت بداية القصة أننى صُغت أبياتا قلائلَ جاءتنى عفوا على رَوِىّ نادر، وهو حرف الذال المعجَمة، وموضوعُها يتطلب طولَ النفَس، فأوجَسْتُ خِيفةً أن لا أفلح فى المضِىّ إلا بتكلف حُوشِىّ اللغة وغريبها، أو أنقطع خلال السير، فتقف مَطِيِّى حَسْرَى دون بلوغ الهدف.
ولكن شحَذت العزم، ومضيت فى طريقى متوكلا على الله. (ومن يتوكل على الله فهو حسبه).
وبعد دقائقَ إذا بالقصيدة تخرج إلى النور متكاملة الأغراض والمضامين والأجزاء ، دون أن يكون فيها ما يعتاص من غريب اللغة أو يُستهجَن من مُستَكْرَه الكلِم، ودون أن تكِلّ عن بلوغ الهدف المرسوم. فنجوت مما أشفقت منه بادىَ الرأى. ولله الحمد. 
ثم يشاء الله أن أزور من الغد شيخنا العلامة الجهبِذ الأديب اللوذعىّ "محمد سالم ابن عبد الودود" رحمه الله تعلى، فى مكتبه بالمحكمة العليا، يوم كان لها رئيسا. وبعد أن تجاذبنا أطرافَ الحديث فى مسائلَ شتى، ناولته القصيدة فقرأها واستحسنها. 
ولولا تلك الشهادة التى أدلَى بها الشيخ فى ذلك المقام، ضمن أسباب أخرى، لَما أطلعتُ أحدا على هذا النص أبدا. 
وللعلم، فقد كتبت قصائد على أنحاء أخرى مشابِهة، دون قصد أو تعمُّل، وإنما 
أمْلَى ذلك طبيعةُ موضوعاتها أو مناسباتها، وأحسب أنها جاءت على شاكلة النص الذى نقدمه الآن للقراء الأفاضل والمتابعين الأماثل.
منها قصيدةٌ طائيّة فى "فُسطاط عمرو بن العاص" رضى الله عنه، وأخرى زائيّة فى رثاء الشيخ العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعلى. 
ولا يعنى نشرُ هذه القصيدة اليومَ، أو نشرُ نظائرها على هذه الصفحة، بعد حبسها طولَ هذه المدة ـ لله الحمدُ ـ بين القَماطر، أننى بها معجَبٌ، أو لها مستحسِنٌ. ولكنْ كثيرا ما يلحّ علىَّ بعضُ الخاصة من طلبة العلم ومحِبّى الأدب فى نشر بعض ما لدىَّ مما يزعُمون أنَّ فيه فائدةً أو غَناءً. 
ولولا ذلك لما كان لى كبير اهتمام بنشر شىء مما هنالك. وإليكم النصَّ :

مِن وحْى جدَلِيّة الصراع
مَن كان فى حُمَّى الحَداثة قد هذَى +++++  أسرَى مع السارين يخبِطُ فى الأذى
إن قيل يوما: ذا غَوِىٌّ ناعــــــــقٌ +++++     بالسُّخْفِ يَهْرِفُ قال: ليْتِى كنـــــتُ ذا
أو قيل: هذا لاعنٌ أسلافَنـــــــــا +++++      ألفيتَه لحديثه قد حبَّـــــــــــــــــــــــذا
القِشرُ من دون اللُّباب يروقُه     ++++++    إذْ كان عنه النورُ يُحْجَبُ بالقَذى
والزِّبْرِجُ الفتّانُ يخدعُ لـــبَّه      +++++       فبَرِيقُ بهجتِه عليه استــــــــحْوَذا
وإذا سألتَ:مَن الفتى؟قالوا:ألَمْ +++++   تلقَ المفكِّرَ والأديبَ الجِهْبِــــــذا؟
من يغتنِى بقريحة وقّــــادة     +++++     عن علم أحمدَ والخليلِ ومن حــذا
حسِب الحضارةَ "موضة"شكليَّة +++++  وتهتكا وخلاعةً وتلـــــــــــــــذّذا
جفَّت منابعُ روحه وفؤادِه           +++++     فرأى الديانةَ سُبّةً أو مأخـــــــذا
ومِن العِدى أخَذ التصوّرو"الهدى"+++++   فغَدا لِكَيْد الحاقدين مُنَفِّـــــــــذا
لا يطَّبِيه أريجُ طيْبةَ أوصَبا       +++++   نجدٍ، ولا نورٌ يلوح بتِرْمِــــــــذا
كلاَّ ولا شُعْثٌ بمكةَ عكّفٌ +++++      يدعون ربًّا راغِبين وعُــــــــوَّذا
لكنْ ثقافةُ مَحفِل وكنائسٍ ++++++   ومعابدٍ لسُمومِهنَّ تتَــــــــــــلْمَذا
إنّ الحضارة مخْبرٌ لا مظهرٌ +++++     فيهِ> تكونُ مُهَرِّجا ومُشَعْـــوِذا
إن التقدم فى التمسك بالهدى +++++ لا أن يُقابَلَ بالمَسبّةِ والبَــــــــذا
فمِن الشريعة عزُّنا وعُلوُّنا   +++++  وبها نلاقِى للتفوّق مَنفَــــــــــــذا
ما إن يزالُ تراثها متجدِّدا +++++    روضا نضيرا منه ينبَعِثُ الشَّـــذا
يُغنِى عن النُّظُم البدائعِ كلِّها +++++ فالشرعُ أُنزِل للبريَّة مُنقِــــــــــذا 
الشرقُ مِن أنوارِه مستلهِمٌ ++++++  والغربُ من ألَق الضياء "تَأَسْـتَذا"
ولنا اقتباسُ معارفٍ وصنائعٍ +++++  يدرِى الخبيرُ أصولَها والمأخـَذا
تُجْبَى بلا فوضى ولا تبَعِيَّةٍ ++++++  تُعمِى بصيرةَ محتذٍ عن محتــذَى
فبذا ننال حَصانةً وبذاكَ موْ +++++  رُوثُ الجدود يكون فينا أُنقِـــــــذا
إن المُعاصرَمن يُجاوِزُعصرَه +++++  ويكونُ بالعلم الأصيل قد اغْتذَى 
فله ارتِباطٌ بالجُذورمُوَثَّقٌ +++++  ولديه نهجٌ للتقدم يُحتـــــــــــــذَى.

إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيدى

 

تصنيف: 

دخول المستخدم