مقاطعو الاستفتاء الدستوري لا يقاطعون.. ولا يشاركون : مثال حي !

 توجهت صباح اليوم إلى أحد مكاتب الاقتراع للإدلاء بصوتي.  وصلت في حدود الساعة الثامنة والنصف إلى المكتب رقم 17 في دار النعيم. وفور دخولي إلى مبنى الثانوية الذي يوجد به المكتب لاحظت أن سيدا ينشط كثيرا. فأعجبني كونه يُسخِّر وقته ليشرح للمواطنين كيف يؤدون واجبهم الانتخابي.   

وانتبهت لشرحه وهو يتحدث إلى سيدة يقول لها – مستخدما أوراقا نموذجية تشبه لحد ما تلك التي سيضعها الناخبون في صناديق الاقتراع :

"إذا كنت تصوتين ب"لا"، فاجعلي علامة - أي ارسمي خطا صغيرا - في هذه الخانة."

ثم كرر نفس الجملة مع ثلاثة ناخبين آخرين متتاليين دون أن يغير منها حرفا واحدا.

أثار تمسكه بنفس العبارات فضولي.. فاقتربت منه لعلي أتبين أكثر. فبادرني هو بالحديث.. وقال لي نفس الشيء الذي سبق أن سمعته منه مستخدما نفس الطريقة في شروحه السابقة.

 فقلت له، محاولا أن افهم لماذا يكرر نفس العبارات  :

" وإن كان خياري غير "لا" ..."

فقاطعني بسرعة  قبل أن انهي سؤالي :

" ولما ذا لا تصوت ب"لا" ؟

ثم أضاف :

"قل لي أين الضرر في التصويت ب"لا" ؟ وقل لي أيضا أين المنفعة في التصويت ب "نعم" ؟"

أجبته :

"إن كنت ترى أنه لا ضرر ولا منفعة في التصويت بأي منهما،  فلماذا التصويت إذا ؟ ولماذا تصوت أنت؟"

رد علي بنبرة لا تخلو من الانفعال والغيظ:

"أنا  لن أصوت.. لأنني انتمي إلى أحزاب المنتدى التي تقاطع هذا الاستفتاء مثلما قاطعت الانتخابات الأخرى قبله.. وإن كان موقفنا لا يعجبك فأمثالك كثيرون من الصفاگه.. "

تدخل ناخب جاء في نفس الوقت مثلي.. وكان يستمع إلينا..  فوجه حديثه مباشرة إلى محاوري :

" أنت اتْكا يَسْ في كلامك..  الراجل ما گال لك شِ خاسر.. (كن هادئا في خطابك.. الرجل لم يسئ إليك "

رد عليه محاوري:

" أنا أيضا لم أسئ إليه. الصفاگ لا أعنيه هو بها على الخصوص. اشْعيْب موريتانيا كلهم صفاگه".    

عجبت من أمر هذا السيد ومن مَن يتصرفون كمثله: يعلنون أنهم مقاطعون للاستفتاء الدستوري بينما هم على خلاف ذلك تماما. يتسللون إلى جوار مكاتب الاقتراع ويعملون ما بوسعهم لكي يؤثروا على خيارات الناخبين ومن ثَم على نتائج الاقتراع لتنال "لا" القسط الاوفر من الاصوات المعبر عنها. إنهم { يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ}. دعواهم أنهم قاطعوا، تبين أنه كذب.. ومع ذلك فمن قال أنهم شاركوا، فقد اخطأ. يا لها من مفارقة غريبة !  

 وأي امرئ لا ينصاع لنزواتهم ومناوراتهم الخفية يغضبون منه ويشتمونه. ويذهب بهم التشدد والغلو في المواقف وفي الاقوال إلى التلفظ بكلمات ساقطة يهينون بها شعبا بكامله. وتأسفت كثيرا لهذا النوع من السلوك السياسي الطفيلي الذي انتشر كثيرا في الآونة الأخيرة، حيث أفصح عنه أصحابه بسبهم الناس والمواطنين.. في المواقع الألكترونية وعلى شاشات التلفزيون أحيانا.. مستخدمين عبارات غير لائقة إطلاقا، أشد إيذاء من كلمة  " الصفاگه" التي قوبلت بها صباح اليوم. اتذكر من هذه الألفاظ النابية كلمة " ينسخكم" التي قرأناها في بعض المواقع الإخبارية وسمعناها جميعا على شأشة إحدى قنواتنا التلفزيونية الخصوصية على لسان شخصية سياسية موريتانية تزداد شهرة يوما بعد يوم..

 البخاري محمد مؤمل

تصنيف: 

دخول المستخدم