بينما كنت أتجول هذا المساء في نواكشوط على متن سيارتي، اعترضني رجلان يوزعان قصاصات صغيرة الحجم من الورق في أحد ملتقيات الطرق. تسلمت منهما إحداها. فإذا بها تدعو إلى المشاركة في مسيرة مناوئة للتعديلات الدستورية التي تنوي الدولة تنظيمها تنفيذا لمخرجات الحوار الشامل الأخير. ذلك الحوار الذي ضم أطيافا هامة من الأحزاب السياسية ومن المجتمع المدني بينما قاطعته أطراف أخرى.
ورغم عدم معرفتي المسبقة بالحزب الذي يظهر اسمه على المنشور، فإنني اعتقد أنه قد يكون من المقاطعين للحوار المذكور.. وحاولت أن اعرف أكثر عنه وعن الموضوع.. فتوجهت بالسؤال التالي إلى الشاب الذي سلمني القصاصة، قائلا له:
"أود أن أعرف أكثر عنكم وعن حزبكم وعن ما تفعلون؟"
لم يرد علي. وابتعد عني عدة امتارجهة سيارة كانت متوقفة على الجانب الآخر من الطريق. مد منشورا إلى صاحبها. غير أن هذا الأخير لم يأبه به رغم الحاحه الذي تحول إلى غضب. أشرت إليه بغية التحدث معه ظانا أنه سيكون راض عني بسبب استجابتي له المتمثلة في تقبلي استلام المنشور منه. غير أن تصوري كان خاطئا: تجاهلني تماما رغم محاولاتي المتكررة والحاحي.
حولت نظري إلى رفيقه الذي كان بقربي، وطرحت عليه نفس السؤال السابق . فرد علي بنبرة لم ولن اطمئن لها :
"شَدُّورْ تَعْرفْ؟ تْعالَ معنا و اللَّ اهْنَ مْعَ صفاگت النظام. ( ماذا تريد أن تعرف؟ انضم إلى صفوفنا أو ابق مع المصفقين للنظام)".
أحسست بغيظ شديد ينساب إلى نفسي بسبب هذا النوع من الردود غير اللائقة والذي لا دافع له. في حين انتابني شعور بالتألم وبالشفقة من حالة ساستنا - خاصة من يوصفون منهم بالراديكالية. فكثير من هؤلاء عاجزون عن الخروج من دوامة الفكر الأحادي العقيمة.. وقد عودوا مناصريهم على نفس النمط الفكري.
يبدو أن موزعي المناشير الذين لقيتهم هذا المساء ضحية لهذه "الأدلجة" الفاسدة التي تقوم على "تلقين" المنتسب/المناصر واللعب على عواطفه بدل العمل على تزويده برؤية ومعطيات سياسية محترمة تشكل لديه ضميرا سياسيا سليما يمَكِّنه من التعامل البناء مع غيره ومع أصحاب الرأي الآخر.
البخاري محمد مؤمل
تصنيف: