"في عروض مسرح الدّمى يختبئ "المخرج" تحت طاولة و يحرك الدّمى بخيوط ممدودة تحت الطاولة التي تحمل الدمى، و في نسخة أحدث، يختبئ المخرج خلف لوح خشبي و يُدخل يديه في الدمى و يحركها بأصابعه فوق لوح الخشب و يتكلم على لسانها بأصوات مختلفة حيث يضع في فمه جهازا يُغير الصوت. كما هي العادة في العالم كله، عروض مسرح الدّمى تكون في الشوارع و الميادين و الحدائق."
تلكم هي "العادة" لكنها عندنا اختلفت حيث جرت "عروض مسرح الدمى" في الغرفة العليا من البرلمان الوطني!!! في تلكم الغرفة الموقرة يتداول "شيوخ" يمثلون مختلف مقاطعات الوطن مشاريع القوانين فيجيزونها أو يرفضونها بعد دراسة معمقة لانعكاساتها على المصلحة الوطنية العليا. فهم أصحاب تجربة غالبا في تسيير الشأن العام، يمتازون بالاستقلال التام عن الجهاز التنفيذي لأن رئيس الدولة ليس من صلاحياته حل مجلس الشيوخ. هم إذن صمام أمان نظامنا الديمقراطي، وأشخاصهم فوق الشبهات...
تلكم هي الصورة النمطية لمجالس الشيوخ البعيدة غالبا عن الصخب السياسي الذي تمتاز به الغرفة السفلى. لم يخرج "شيوخنا الموقرون" عن هذه الصورة، بل كانوا أفضل تجسيدا لها... كانوا يجيزون جميع النصوص برفع الأيدي في انضباط شديد، وولاء مطلق لحزبهم ونظامهم السياسي... حتى مساء "الجمعة العظيمة" حين سلموا بطاقات "نعم" إلى عراب المؤامرة دليل إثبات على "وفائهم"، في استعادة موحية لما عاصروه من عمليات تزوير في عهد ولد الطايع حيث كان السماسرة يطالبون باعة الضمير بتسليم ما يدينهم في الدنيا لقاء قبض ما يوبقهم في الآخرة...
في نفس الليلة احتفل بعض رؤساء أحزاب المعارضة ب"سقوط طروادة"، معتبرين من فتحوا لهم الأبواب "أبطالا" "حكموا ضمائرهم، فانحازوا إلى الشعب..." دعي إلى كتابة أسمائهم بماء الذهب... كانوا أبطالا "حقيقيين"، "لم يستسلموا لابتزاز السلطة"، فاختاروا مصلحة الوطن على مصالحهم الشخصية... تبارى المعارضون في الإشادة بهم، وصدق بعض الطيبين "أن للثعلب دينا"، حتى دون أحد الإخوان.."ما ضر الشيوخ ما فعلوا بعد اليوم..." في توظيف فاضح لحديث شريف ضمن سياق مختلف تماما.." حينما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجهز جيش تبوك وهو ثلاثون ألفاً،
ارتقى عليه الصلاة والسلام المنبر في شدة الحر وقال لتجار الصحابة
وأغنيائهم: من يجهز جيش تبوك وله الجنة! فسكت الناس لأنه ثلاثون ألفاً
يحتاج إلى إبل وخيول ومال كثير.
فقال عليه الصلاة والسلام: من يجهز جيش تبوك وله الجنة؟ فسكت الناس،
فقام عثمان وسط الناس بشخصه كأنه النجم، أو كأنه العلم وسط الناس وقال:
أنا يا رسول الله! فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم اغفر
لـعثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم."
أقيمت الولائم، وألفت الأغاني في تمجيد "الثلاثة والثلاثون". إلا أن "شيوخنا المحترمون" كانوا بخلاف عمال المنجم الذين "لم يحققوا مكاسب مادية بعد الضجة الإعلامية التي أثيرت حولهم". فقد كانت الشكوك تحوم حولهم منذ البداية، لتظهر الحقيقة في التسريبات... فجاء الحق وزهق الباطل بشهادة شاهد منهم...
ذابت تماثيل الشمع... تهاوى أبطال فرانز كافكا على مسرح العرائس ليطل المخرج برأسه من تحت الطاولة ملوحا للأطفال الذين بهرهم العرض فصفقوا كثيرا للعرائس... واستمرت النقاشات في الغرفة العليا حول "شبه الفساد في الصفقات العمومية"، وتصاعد التهديد بكشف ملفات الفساد، واستدعي الوزراء بخطابات شديدة اللهجة يوقعها "روبن هود"... واستمر "الشيطان يعظ" على شاشاتنا، ويحيك خيوط المؤامرة.."وفى أول اجتماع للديناري مع رجاله، حضر شطا الحجري، الذي استمع لطلب الديناري لأحد الرجال، الذي سيكلفه بمهمة سرية، إذا أنجزها بنجاح، أصبح ذراعه اليمين وخليفته، وإذا فشل فيها قتله، وعندما لم يتقدم للمهمة المجهولة، أحد من رجال الديناري، انتهزها شطا فرصة، وأعلن قبوله للمهمة، حيث كلفه الديناري بالبحث عن..."(أكملوا النص)... بقدر ما كان "شطا" فرحا بالمهمة، بقدر ما كان منزعجا من الاتصالات التي "هانته" وهانت.. فليته ابتلي بجيران سيدي ولد سيداتي!!!
في سنة 1995 تم القبض على لص أمريكي اسمه "ماك آرثر ويلر" وهو يحاول سرقة بنك في عز النهار! عندما حققت معه الشرطة سألوه لماذا ارتكبت الجريمة في هذا الوقت ومن دون أي وسيلة تنكر؟ اندهش وانهار وهو يصرخ أنه كان متنكرا فاضطرت الشرطة أن تواجهه بفيديوهات كاميرات المراقبة التي أظهرته بدون أي قناع! !
أجاب "ماك آرثر" بكل ثقة وأريحية بأنه دهن وجهه بعصير الليمون لاعتقاده أنه مثل الحبر السري وأنه سيمنع التعرف على ملامحه أو أن ترصده كاميرات المراقبة... ترى بماذا دهن "الثلاثة والثلاثون"، وكيف نسوا التأمين على حوادث السير!!!
محمد اسحاق الكنتي
تصنيف: