إن مخلفات الاسترقاق عديدة و عنيدة. وفي موريتانيا، تعاني منها طبقة عريضة من السكان هي شريحة لحراطين عند البيظان و مثيلاتها في المكونات الإفريقية الاخرى (ماكوبي عند البولارـ كومي عند السونينكي ـ دجام عند الوولوف ) حيث يتألف جزء كبير من هذه الفئة الواسعة من أناس ينحدرون من أرقاء قدامى. وهم يعانون من الأشكال الكلاسيكية للتخلف الذي يتسم به البلد كجميع البلدان النامية: الهشاشة، الفقر، البطالة، الأمية... ويتقاسمونها مع بقية السكان حتى وإن كانوا بالفعل أكثر تأثرا من غيرهم لكونهم ـ في مجال النماء ـ قادمون من بعيد.
و بالإضافة لهذه الآثار المشينة البيِّنة للاسترقاق ـ الاقتصادية والاجتماعية ـ توجد مخلفات أخرى، فكرية وسلوكية، أكثر خبثا و خطورة تعاني منها بعض "الزعامات" التي تتكلم باسم لحراطين لكونها منحدرة منهم أو لأنها تقوم بالتوظيف السياسي للوضعية السيئة لتلك الشريحة. وأيا كانت أصولهم الفئوية، فإن هؤلاء يحاولون شق طريق خاص بهم.. و أن يثبتوا حضورهم كقوة سياسية.. أو أن يكون لهم صدى إعلامي مهم... عبر استغلالهم للظاهرة وتضخيمها إلى حد تشويه الحقائق وصرف الأنظار عن جوهر المسألة الذي هو ترقية "لحراطين" والمنحدرين من أصول عانت من الاستعباد وترقية الشرائح المحرومة من السكان بصفة عامة.
و هم بذلك إنما يصبحون ضحايا للعبتهم الخطيرة، إذ أن الأمر ينتهي بهم إلى أن يصبحوا مناورين مخادعين للناس ولانفسهم الذين يدخلون في صراع مرير معها ـ وعوا ذلك أم لم يعوه ـ لأنهم خانوا شعار " مناهضة ألاسترقاق" الذين يتصرفون تحت ذريعته. و مثل هذا التصرف المنحرف ـ لا يمثل إحدى مخلفات الاسترقاق فحسب، بل إنه يشكل في الوقت الحاضر الخطر الأكبر أمام مواجهة محاربة الظاهرة في موريتانيا.
وواجبنا الأول هو مواجهته من خلال رفع الأسوار ضد هذين التهديدين الخبيثين الذين يتمثلان في التلاعب بالفروق الطبقية والاجتماعية الموروثة عن الماضي و في استخدامها بغية الحصول على امتيازات سياسية مريبة أو غايات أنانية هي ابعد ما تكون عن " خطاب حقوق الإنسان" الذي يتفوه به أصحابها لخداع المتلقي ـ وخاصة المتلقي الغربي والأجنبي. ومن غير المستبعد أن يكون تصرف هؤلاء المحرفين للحقائق جاء طبقا لأجندات أجنبية يتم تجنيدهم فيها من طرف قوى خفية تعمل على بث الحقد والتفرقة بين فئات ومكونات الشعب الموريتاني، وعلى تشويه سمعته وصورته في المحافل والهيئات الدولية.
البخاري محمد مؤمل
تصنيف:
