محمد غلام يستعين بالقرآن.. ويستنجد بالسيد قطب... ما ذا يُحضِّر؟

لم يصدر عن الحزب موقف حول الموضوع رغم ان رئيس نوابه في البرلمان قد أعلن أنه أثار خلافا داخليا لا يثنيه عن رأيه. خلافا قد يرى فيه البعض امتدادا للصراعات التي دارت رحاها حول من يخلف جميل منصور في رئاسة "تواصل" قبل وخلال مؤتمر الحزب الأخير قبل أن تُجمَّد  تلك الخلافات فور اختتام المؤتمر وتختفي عن الظهور على الساحة حتى الآن. 

محمد غلام الحاج الشيخ رئيس فريق نواب تواصل في الجمعية الوطنية- والذي لم يفلح آنذاك في الحصول على رئاسة حزبه- مستمر اليوم في الدفاع عن موقعه السياسي متبعا نهجا يتأرجح بين مذهبي "المعارضة الناطحة" و"المعارضة الناصحة" كما هو معروف في قاموس الحسابات التكتيكية لدى زعامات قومه. لكن هذه المرة عبر الاستدلال بالقرآن الكريم وبمفسرين شهيرين  معروفين تقليديا بغزارة معارفهم في العلوم القرآنية، مثل : القرطبي المالكي الأشعري؛ ومثل الزمخشري الحنفي المعتزلي. 

غيرأن استشهاده أيضا في هذا المقام  ب"الشهيد" قطب -على حد وصفه للزعيم التاريخي والروحي لحركة الإخوان المسلمين- يشكل سلاحا سياسيا حديثا ذا قيمة مضافة لا يستهان بها في وجه خصومه داخل الحركة. وقد أشار بوضوح إليهم وإلى خلافه العميق معهم لحد "الشفقة"، لما استهل تدوينته، قائلا:

" وردتني من بعض الأحبّة انطباعاتٌ مشفقة عليّ ممّا اعتبرته "إشادة" ببعض ما رأيت في البنك المركزي، أو رفع الجمركة عن الأعلاف، وهنا يسرّني أن أعرب لإخوتي عن بالغ السرور بحرصهم على النصح والتقويم لما يرونه خطأ وقعت فيه أو تجاوزا لا يليق."

ثم انتقل محمد غلام مباشرة إلى بيت القصيد لديه ليقدم  خيار "النصح" على "النطح" في قضية الإشادة بالبنك المركزي- أو "الضربة المموهة لقومه في المعارضة" كما سماها موقع موريتانيا المعلومة - التي صدرت عنه مؤخرا:

" ثمّ أقول إن التنويه ببعض المظاهر الإيجابية في بعض المؤسّسات العامّة لا يعني الرضى بالفساد والإفساد الواقع في مؤسسات كثيرة أخرى بل في تلك المؤسّسات نفسها، ولكنّه تشجيع وإنصاف مرغوب بمنطق العقل والعادة، ومأمور به بلسان الشرع".

وبغض النظر عن الإنطباعات الحسنة والأحاسيس بالرضى الذين تولدا لديه بسبب ما شاهده وما سمعه خلال زيارته للبنك- حسب قوله- و في مناسبات اخرى، فإن ما يصدر عنه يبقى محكوما بحسابات سياسية لا تقوم فقط على صدق العواطف ونبل المبادئ المعبر عنها. فالرجل كغيره من ذوي الطموحات السياسية المحنكين له مصالح وتحالفات تتغير حسب الظروف عملا بفلسفة "realpolitik" (الواقعية السياسية). 

وقد تدخل المواعيد الانتخابية القادمة التي يقبل عليها البلد ضمن حساباته الحالية.. وما قد ينجم عن ذلك من مناورات وابرام تحالفات داخل طوائف حزبه وخارجها.

البخاري محمد مؤمل

---------------------------------------------------------------

 النص الكامل لتدوينة محمد غلام الحاج الشيخ 

"وردتني من بعض الأحبّة انطباعاتٌ مشفقة عليّ ممّا اعتبرته "إشادة" ببعض ما رأيت في البنك المركزي، أو رفع الجمركة عن الأعلاف، وهنا يسرّني أن أعرب لإخوتي عن بالغ السرور بحرصهم على النصح والتقويم لما يرونه خطأ وقعت فيه أو تجاوزا لا يليق، فلهم الشكر مني والمثوبة من الله.
ثمّ أقول إن التنويه ببعض المظاهر الإيجابية في بعض المؤسّسات العامّة لا يعني الرضى بالفساد والإفساد الواقع في مؤسسات كثيرة أخرى بل في تلك المؤسّسات نفسها، ولكنّه تشجيع وإنصاف مرغوب بمنطق العقل والعادة، ومأمور به بلسان الشرع.
وبما أننا هذه الأيامَ نعيش شهر القرآن فبودّي أن أذكّر الإخوة الكرام بآية من كتاب الله حاكمة علينا جميعا، هي قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون} المائدة: 8

ولا بأس أن نتدارس بعض معانيها العظيمة وتوجيهاتها الحكيمة.
وقد علّق أبو عبد الله القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن عليها، فقال: "والمعنى : أتممت عليكم نعمتي فكونوا قوامين لله ، أي : لأجل ثواب الله ; فقوموا بحقه ، واشهدوا بالحق من غير ميل إلى أقاربكم ، وحيف على أعدائكم، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ترك العدل وإيثار العدوان على الحق، وفي هذا دليل على نفوذ حكم العدوّ على عدوه في الله تعالى ونفوذ شهادته عليه؛ لأنه أمر بالعدل وإن أبغضه ، ولو كان حكمه عليه وشهادته لا تجوز فيه مع البغض له لما كان لأمره بالعدل فيه وجه ، ودلت الآية أيضا على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه [...] وأن المثلة بهم غير جائزة وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا وغمونا بذلك ; فليس لنا أن نقتلهم بمثلة قصدا لإيصال الغم والحزن إليهم" (الجامع لأحكام القرآن: 6/ 110).
كما علّق الزمخشري بقوله: "نهاهم أوّلا أن تحملهم البغضاء على ترك العدل، ثمّ استأنف فصرّح لهم بالأمر بالعدل تأكيدا وتشديدا، ثم استأنف فذكر لهم وجه الأمر بالعدل، وهو قوله: {أقرب للتقوى} قال: وفيه تنبيه عظيم على أن وجودَ العدل مع الكفّار الذين هم أعداء الله إذا كان بهذه الصفة من القوّة فما الظن بوجوبه مع المؤمنين" (الكشاف: 1/613).
وبعد هذين العلَمين يأتي صاحب المنار فيقول: "ولا يحملنّكم بغض قوم وعداوتهم لكم.. على عدم العدل في أمرهم بالشهادة لهم بحقّهم إذا كانوا أصحاب الحقّ [...] فلا عذر لمؤمن في ترك العدل، وعدم إيثاره على الجور والمحاباة بل عليه جعله فوق الأهواء وحظوظ النفس وفوق المحبّة والعداوة مهما كان سببهما"(تفسير المنار: 6/ 227).
وقد تنبّه الشهيد سيّد قطب رحمه الله إلى أنّ هذه الوصايا القرآنيّة كانت في حياة الأمّة منهجا يُؤَدّى ببساطة، ويُتَمثّل مألوفا، "فما من عقيدة أو نظام في الأرض يكفلُ العدلَ المطلقَ للأعداء كما يكفلُه لهم هذا الدين حين ينادي المؤمنين به أن يقوموا لله في هذا الأمر، وأن يتعاملوا معه متجرّدين عن كلّ اعتبار".
ويلمح سيّد -طيّب الله تربته- إلى أنّ المنهجَ القرآنيّ التربويَّ لم يكتف بالنهي عن الاعتداء بل تجاوزه إلى إقامة العدل والقسط مع المشنوئين، "والقرآن يُقدّر ما في هذا المرتقى من صعوبة فيقدِّم له بما يعينُ عليه: {يأيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط.. الآية}" (الظلال)."

تصنيف: 

دخول المستخدم