كورونا: تطويق الخوف تعليما/ بقلم : السفير الدكتور إسلكُ ولد أحمد إزيد بيه

يُجمع أخصائيو العلوم السلوكية على أن الخوف جراء الخطر المحدق يولد لدى الإنسان -مثله مثل الحيوان- ردة فعل بيولوجية تلقائية من خلال إفرازات هرمونية تحفز الجسم على تنفيذ إحدى الاستراتجيتين المتاحتين: الهروب أو المواجهة.

 ولعل أبلغ وصف لهذه الثنائية هي العبارة الإنجليزية "fight or flight "(القتال أو الهروب). فالمواجهة قد تكون بدنية مباشرة (قتالا) كما أنها قد تتخذ شكلا هجينا (تكتيكيا أو ذكيا) ما بين الهروب والمواجهة، وهناك تجارب ونتائج مذهلة حول قدرة بعض الكائنات الحية على ابتكار وسائل دفاعية وتمويهية في وجه الخطر المحدق. فالخوف إذا يمكن اعتباره أمرا طبيعيا وإيجابيا، إذ لولاه لما دُق ناقوس الخطر أصلا ولنجح كل صياد في اقتناص صيده، فأحد أسرار استمرار الحياة هو قدرة الفريسة على الإفلات -معدلا- من الصياد.
فرحم الله جدتي التي كانت تذكرني على الدوام بأهمية الخوف مسترسلة: "اللي خاف من مولانا يرحمو واللي خاف من الاعباد اتهابو".

لنقم بإسقاط سريع لما تقدم على الظرف الصحي الحالي. فنظرا لصغره اللا متناهي فإن تصور الفيروس التاجي يشكل تحديا حقيقيا للكثير من الناس ومصدر قلق (الخوف السلبي)، فمنهم من يتصوره حشرة صغيرة (تطير وتنزل). وهذا طبعا غير صحيح، ومنهم من يعتقد أنه لا "لاماديا" أقرب إلى موجة "مغناطيسية" تتنقل عبر الأثير وهذا كذلك غير صحيح.

 بعد هذا كله، يأتي أهل الاختصاص ليشرحوا -عن دراية بالمسألة- أن الفيروس التاجي -خلافا للبكتيريا- ليس كائنا حيا على الرغم من عدوائيته المرتفعة نسبيا. أعتقد أن صعوبة تخيل هذا "العدو" بالدقة الكافية يشكل عامل قلق (الإفراط في الخوف) حقيقي لدى البعض، الشيء الذي يظهر جليا من خلال نمط حالي من التدوين على الفضاء الأزرق ؛

 وهنا نلمس أهمية الثقافة العلمية في عصر الفيروسات، إذ تدخل -والله تعالى أعلم- في إطار الأخذ بالأسباب تحقيقا للمناط الشرعي. فالتعليم العلمي لصالح الناشئة يجب أن يشكل مركِّبة أساسية ضمن استراتيجية التكيف مع الظرف الصحي الحالي. فالخوف المدعم وعيا صحيا و المترجم عمليا عبر الاحترام الصارم للإجراءات الاحترازية، يشكل، على المستوى الفردي والجماعي، أفضل مقاربة هجينة لمواجهة الخطر الحالي وأي خطر صحي آخر، كما يمكن اعتباره عامل وقاية من القلق الذي يحيد، في بعض الأحيان، المقدرات المناعية لدى الإنسان.

لقد تحدثت، خلال تدوينة  فارطة، عن "عيس المرحلة" قناعة مني بأن بعض النشاطات التعليمية يمكن القيام بها عن بعد، ريثما تنجح إحدى محاولات إيجاد لقاح ضد الفيروس التاجي؛ وبخصوص هذه الجزئية الأخيرة، قرر اليوم طاقم جامعة "أوكسفورد" (أفضل جامعة في العالم) المشرف على مشروع لقاح واعد ضد الفيروس التاجي، المرور إلى المرحلة الثانية من اختباراته، حيث اكتتب 10000 متوطوعا لتلقي جرعات تدريجية بغية استخلاص المعلومات الإحصائية المطلوبة. ومما يؤكد أن المعركة علمية تربوية تكيّفية بالمقام الأول، فقد قررت منذ يومين جامعة "كيمبردج" (ثالث أفضل جامعة عالميا) تعليق كل دروسها الحضورية لأكثر من سنة كاملة والتركيز كليا على التعليم عن بعد.

ففي الوقت الذي تبذل فيه السلطات العمومية الموريتانية جهودا قصوى للتقليل من الوقع البشري والاقتصادي المباشر للجائحة الحالية، يصبح لزاما على مهنيي التعليم الإحاطة بتقنيات التعليم عن بعد وتنظيم صفوفهم كما يجدر بآباء التلاميذ -والمجتمع ككل- أن يحولوا "الهواتف الذكية" إلى "ألواح" و"دفاتر" لتعليم البرامج الرسمية، تفاديا لخطر الإدمان على الألعاب الالكترونية، وتكملة لما ستقرره غدا الجهات العمومية المعنية بخصوص المدرسة الموريتانية. فمن شأن هذا كله أن يساهم في "تطبيع" الحياة على الأسس المتاحة.

تصنيف: 

دخول المستخدم