نفذت التنظيمات التي يقودها بلمختار في أفريقيا، عمليات عسكرية أسفرت عن مقتل عشرات من الرعايا الغربيين، بينهم أميركيون وفرنسيون.
بعد أن تعرض داعش في سرت للهزيمة، ومع نزوح عناصره وقادته إلى الجنوب، تمكن بلمختار من خلق حالة من السيولة والتعاون بين مجموعات تنظيمي القاعدة وداعش.
كشفت مصادر قريبة من التحقيقات مع متطرفين موقوفين في ليبيا أن نوابا لأمير تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا، الجزائري، مختار بلمختار، بدأوا في فتح باب للتعاون مع تنظيم داعش في القارة السمراء، خلال الشهور الأخيرة، ضمن تكتيكات جديدة لبلمختار، أحد أهم المطلوبين للولايات المتحدة الأميركية في الساحل الأفريقي.
وكان هذا الجزائري، الملقب بـ«الأعور»، يرفض رفضا تاما أي تعامل أو تعاون مع تنظيم داعش، ويعد ممثلا لزعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، في أفريقيا. وتعرض بلمختار، لضربات عدة من طائرات غربية، إلا أنه تمكن من النجاة منها جميعا خلال السنوات الماضية.
وفي الوقت الراهن، يقول مصدر على صلة بالتحقيق مع جماعات متشددة في شمال أفريقيا، إن بلمختار موجود في مكان ما جنوب الصحراء الليبية، وأنه يتنقل في بعض الأحيان، في قافلة من سيارات الدفع الرباعي، عبر الحدود الصحراوية للجزائر والنيجر وتشاد ومالي.
وأصيب بلمختار في عينه اليسرى أثناء مشاركته فيما يعرف بالجهاد في أفغانستان في مطلع تسعينات القرن الماضي، ولهذا أطلقت عليه وسائل إعلام في بلاده لقب «الأعور». ويضيف هذا المصدر أن بلمختار يقود تكتيكا خطيرا من شأنه أن يخلق كتلة كبيرة ومترابطة تجمع بين موالين لتنظيم القاعدة، وموالين لتنظيم داعش.
ويقول إن بلمختار متشدد في ولائه للظواهري، لكنه ترك عددا من ساعديه في أفريقيا للعمل والتنسيق مع قيادات داعش، من بينهم ذراعه الأيمن الملقب بـ«أبو يحيى أبو همام»، المسؤول عن تنظيم القاعدة في شمال مالي، والذي يعتقد أنه زار جماعات متطرفة في ليبيا خلال الشهور الماضية.
ويضيف: «يبدو أن بلمختار يحاول تجنب تكرار المواجهات التي وقعت سابقا بين تنظيمي داعش والقاعدة، في سوريا، وفي مدينة درنة الليبية».
وشارك «أبو همام» في قيادة القتال مع خليط من المتطرفين ممن كانوا يحاولون الدفاع عن وجودهم في مدينة بنغازي، أمام حملة الجيش التي يقودها المشير خليفة حفتر.
ويضيف المصدر نفسه أن «أبو همام» شوهد منذ مطلع هذا العام وهو يتردد على قيادات من كل من تنظيم القاعدة، وتنظيم داعش، في مناطق مختلفة من الصحراء الليبية، وفي مالي، وعلى الحدود الليبية مع كل من النيجر والجزائر.
ويقول إن المعروف لدى الأجهزة الأمنية، التي تتعاون في هذه المنطقة من أفريقيا، أن «أبو همام» لا يعمل إلا بتعليمات من بلمختار، وأنه استقر في درنة أيضا لبعض الوقت، واجتمع مع قيادات من «القاعدة» ومن «داعش».
وفي شهر مارس (آذار) الماضي، نفذت طائرات حربية، يعتقد أنها غربية، ضربات لاجتماع قرب بلدة أوباري في أقصى الجنوب الليبي. ووفقا لمصدر قريب من الجماعات المتطرفة في ليبيا، فإن بلمختار كان من بين الحاضرين في الاجتماع، إلا أنه غادره قبيل وقوع الغارة بوقت قصير. وقتل اثنان على الأقل من تنظيم القاعدة في تلك الغارة.
ونجا بلمختار من غارات مماثلة نفذتها طائرات غربية خلال الأعوام الماضية، كان من بينها عملية دقيقة لقصف موقع لاجتماع كان مشاركا فيه، في منطقة صحراوية تقع على بعد نحو ستين كيلومترا جنوبي بلدة إجدابيا، العام الماضي، رغم أن البرلمان الليبي قال وقتها إنه قتل. كما أفلت من ضربات جوية أخرى في مناطق جنوب ليبيا، قريبة من بلدات مرزق، وأم الأرانب، والقطرون.
ونفذت التنظيمات التي يقودها بلمختار في أفريقيا، خلال سنوات عدة، عمليات عسكرية مختلفة، أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات من الرعايا الغربيين، بينهم أميركيون وفرنسيون، بالإضافة إلى اتهامه بخطف أجانب في القارة السمراء.
ومنذ خمسة أعوام رصدت الولايات المتحدة خمسة ملايين دولار لمن يساهم في اعتقاله. وساد اعتقاد منذ أكثر من عامين أن بلمختار، المولود في عام 1972. لقي مصرعه في غارة من تلك الغارات التي تشارك في تنفيذها طائرات تابعة لقوات أفريكوم، الأميركية، العاملة في أفريقيا. لكن في آخر شهادة من أحد مساعديه، ممن تحتجزه السلطات الليبية، أفاد بأنه ما زال على قيد الحياة.
وأضاف خلال استجوابه على يد محققين في طرابلس أن بلمختار يتنقل بين جنوب ليبيا وكل من مالي والنيجر، وأن من صفاته العمل بعيدا عن الأضواء والقدرة على التخفي والمراوغة.
ولم تظهر أي صورة لبلمختار إلا نادرا. ويوجد له صورة من مقطع فيديو كان قد جرى بثه في عام 2012 على الإنترنت بمناسبة تأسيس كتيبة أطلق عليها آنذاك «الموقعون بالدم»، ودعا فيها الشباب للانضمام إلى «الجهاد».
وعثر المحققون في طرابلس على مقطع فيديو جديد مع موقوف من أتباعه، يعود لعام 2016. ويظهر فيه بلمختار مع نحو عشرة مقاتلين من جنسيات مختلفة، ومعهم سيارات صحراوية مسلحة، داخل أحد الوديان قرب منطقة القطرون، جنوب ليبيا. وبدا في هذا الفيديو، وفقا لمصدر التحقيقات، نحيفا كما هو، لكن بصحة جيدة، حيث سار عدة خطوات في اتجاه سيارة من السيارات المرافقة له، واستند على صندوقها، وأخذ يتحدث مع أحد مرافقيه من الليبيين، وفقا للهجته.
وظهر في المقطع أيضا خمسة خيام صغيرة صفراء اللون، وكومة من المؤن والأمتعة والبطاطين في جانب منحدر.
ويعرف بلمختار في أوساط قيادات لمتطرفين في شمال أفريقيا، ممن تعاملوا معه على فترات، أن لديه قدرة على العيش في البرية لأوقات طويلة، وأنه محب للجبال، وقادر على البقاء فيها دون كلل أو ملل.
ويبدو أن بلمختار وجد ضالته في الصحراء الممتدة عبر الحدود الليبية مع دول الجوار، بعد أن تعرض الموالون له للهزيمة في شمال مالي، على يد قوات فرنسية وأفريقية في عام 2013.
وكشف مصدر على صلة باستجواب عناصر من المتطرفين ممن يقعون في قبضة قوات الأمن في ليبيا، أن إفادات كثيرة من موقوفين أكدت أن بلمختار أصيب في الحرب في شمال مالي منذ خمس سنوات، وتلقى بعد ذلك العلاج تحت حماية متطرفين ليبيين، أولا في مدينة بنغازي شرقا، ثم مدينة صبراتة غرب العاصمة.
ويبدو أن بلمختار تعرف عن قرب، خلال فترة العلاج هذه، على قيادات من الأجيال الجديدة، من جنسيات مختلفة، من تنظيم أنصار الشريعة الموالي لـ«القاعدة». ويضم هذا التنظيم العابر للحدود، عناصر من ليبيا وتونس ومصر، وغيرها. وانقسمت قياداته فيما بعد بين موالين لـ«داعش» ومبقين على ولائهم لـ«القاعدة».
ويقول المصدر إن دخول «داعش» إلى ليبيا والإعلان عن نفسه صراحة في أواخر 2014. انطلاقا من مدينة درنة، أربك خطط بلمختار، وصديقه، ابن درنة، والسجين الليبي السابق في غوانتانامو، سفيان بن قمو.
وتمكن بلمختار على ما يبدو من احتواء خلافات كبيرة وقعت في 2016 بين «داعش» و«القاعدة» في داخل درنة، وهي خلافات وصلت إلى درجة الحرب، وأسفرت عن انسحاب الدواعش، ومعظمهم عرب وأجانب، من قلب المدينة، والتمركز في الوديان والجبال المحيطة بها، أو الانتقال إلى سرت.
ووفقا للتحقيقات مع عنصر من الموقوفين في طرابلس بتهمة الانضمام لتنظيم «المرابطون» التابع لبلمختار، فقد ظل بن قمو ينفذ خطط القيادي الجزائري طوال الشهور الماضية، والتي تتركز على التهدئة في خطوط التماس بين الموالين لـ«القاعدة» والموالين لـ«داعش» في داخل المدينة وفي أطرافها.
وشارك في عمليات التهدئة نفسها مع بن قمو، في درنة، كل من المتطرف المصري الملقب باسم «سعيد»، وهو من الموالين لـ«داعش»، وممن أصبحوا يعملون أخيرا بالقرب من جماعات بلمختار نفسه في منطقة الهروج جنوبا.. وكذلك المتطرف المصري المعروف بلقب «المهاجر»، الذي سبق وأعلن ولاءه لـ«داعش»، رغم أنه ينفذ تعليمات بلمختار.
وبعد أن تعرض تنظيم داعش في سرت للهزيمة، ومع نزوح عناصره وقادته إلى الجنوب، تمكن بلمختار من خلق حالة من السيولة والتعاون بين مجموعات تنظيم القاعدة ومجموعات تنظيم داعش. وقال أحد المستَجوبين في التحقيقات: كنا نعرف أن المصري، المهاجر، موالي لـ«داعش»، ومع ذلك أطلق على التنظيم الذي يقوده اسم «المرابطون» على نفس اسم التنظيم الأم الذي يرأسه بلمختار.
ومن بين خمسة (بينهم مصري من جماعة أنصار بيت المقدس الموالية لـ«داعش»)، ممن جرى استجوابهم على يد النيابة الليبية، وينتمون، رغم ذلك، إلى تنظيم بلمختار، هناك قياديان اثنان تعد أقوالهما شديدة الأهمية، بسبب عملهما بالقرب من هذا القيادي الجزائري.
وقال مصدر قريب من التحقيقات: «ذكر ثلاثة من هؤلاء الموقوفين أن بلمختار قتل في غارة أميركية في أواخر مارس هذا العام، لكن الشخصين الرابع والخامس، وهما الأهم، والأقرب له، قالا إنه ما زال على قيد الحياة، وإنه انتقل عقب الغارة إلى مقر يقع قرب الحدود بين مالي والنيجر».
ومن بين المعلومات التي أمكن استخلاصها من هذين القياديين أن بلمختار غيّر طريقته في العمل بشكل كبير، وأنه بعد أن كان، حتى شهور قليلة مضت، يرفض أي تعاون مع تنظيم داعش في ليبيا والدول المجاورة، أصبح يأذن لنوابه بالتنسيق مع تنظيم داعش على نطاق واسع.
وبحسب ما ورد من أقوال في التحقيقات، فقد بدأ بلمختار، لأول مرة، بالاكتفاء بوضع الخطوط العريضة لنوابه، فيما يتعلق بالعمل، وترك لهم حرية التصرف وعقد الصفقات وتنفيذ العمليات والتعاون مع المجاميع الأخرى، دون العودة إليه في مراجعة التفاصيل، حتى لو كانت تخص الاشتراك في القيام بتنفيذ عمليات مع تنظيم داعش.
المصدر : المجلة
تصنيف: