عبور الحدود (ج2) / احمد ولد حبيب

وضع السائق حزام الأمان وقال بصوت خافت " صلوا على النبي" هنا بدأت الرحلة حقا ، لا يبدو المشهد مألوفا لدى ذات الشعر الأشقر حينما بدت توزع نظراتها مابين السائق تارة والأجواء خارج الباص تارة أخرى خاصة تلك الواجهة التي لا تبدو سياحية بشكل لاقئ وإن أختلفت الأذواق ، فعلى بعد أمتار قليلة ونحن نودع العاصمة الإقتصاديه ذات المناخ البارد والجو الهادئ وعند مدخلها تلفت يمينا فإذا تلك الأمواج الساحرة تغازل شطآنها وإن ألتفت يسارا تملأ مقلتيك قطعان الماشيه المنتشرة على ذاك الجانب الآخر من الطريق ، دقائق معدودة ويقف الباص في إنتظار عبور نقطة تفتيش الشرطة في لحظة تلاقفتني أمواج هائلة من التفكير البعيد في سؤال واحد وأنا أنظر إلى تلك السيدة الأوربية ، هل أن هذه المسكينة " ذات الشعر الأشقر" قطعت كل تلك المسافات لتشم رائحة أبوال الماشية و تجد نفسها تحاول الإفلات من هجمات أسراب من الذباب ؟ وهل تفهم أن هذا المشهد في تناقضاته الكثيرة تلك لايعدو كونه ظلا لواقع المجتمع في جل وقته ؟ أم أنها ترى فيه تطورا سياحيا غير ما عهدته أو ما هي مقبلة عليه في قادم المحطات ؟
أخيرا غادرنا نقطة التفتيش و لم يبق من ذاكرة المشهد سوى ذبابتين أوثلاث آثرن البقاء حتى آخر لحظة ربما بغية التوديع أو بغية الهروب من الواقع .
بعد مسافة قصيرة أطبق الصمت على كل شيء باستثناء شريط قديم جديد للفنانة " ديمي منت أب " وهو المعروف لدينا ب " لندن" ، لكأن تلك الأغاني التي تغوص فينا عميقا لا تريد للمشهد المحلي أن يتغير بشكل جذري ، أو كأن السائق يقصد توديعنا أو حتى إشعال الحنين فينا حتى قبيل الخروج من أرض الوطن .
أحدهم يقص شريط الصمت ذاك ، ويسأل عن بعض الاجراءات على الحدود من الجانب الآخر كانت فرصة لي وللركاب للتعارف خلال حديث شارك فيه الجميع و بدت فيه هوية رفيقتنا ذات الملامح الشرق أوربية تطفو على السطح ، أيقنت حينها أن ظني يبدو في محله ، فالمرأة إعترفت أنها ليست فرنسية ولا من أبناء "العم سام" ولا تنطق لغة الاسبان مطلقا، كانت دردشة مسيلة على أنغام رائعة توقفت تلك النغمات عند مفترق الطرق حيث سينعطف الباص يسارا باتجاه الحدود على بعد 5 كلم تقريبا وذلك بسبب الإجراءات الروتينيه.
أخيرا أجد نفسي صوب المجهول مجددا فهذا الطريق ليس مسجلا على جهاز "GPs" الخاص بذاكرتي، شغف كبير تملكني نحو معرفة كل شيء ينتظرني .
لا يبدو الأمر مثيرا لدى رفقاء الرحلة فهم متعودون عليه فاثنان منهم طالبان جامعيان والآخر "صاحب الدراعه" يقطن في مدينة " الداخلة" و ربما يحمل جواز سفر مغربي . 
بعد قطع تلك المسافة القصيرة يقول السائق ويؤكد الركاب : لقد وصلنا لنقطة الحدود الموريتانية ،

 هنا بد الجو غريبا نوعا ما ولم أسرح كثيرا في تلك التناقضات بسبب كثرتها ومن تلك التساؤلات التي داهمتني في آن واحد هل هي نقطة حدود ؟ أم نقطة بيع وشراء ؟ و ما تلك الطوابير الكثيرة من السيارات وماسبب توقفها هناك ؟ 
أحد الرفاق يشرح لي أن سبب توقف تلك الطوابير الطويلة من السيارات الصغيرة بمختلف الأنواع والاحجام تحت تلك الأشماس يعود إلى غلاء الجمرك وعدم تمكن أصحابها من جمركتها .
سألني صديقي الشاب العشريني هل أحمل أوراق نقدية من فئة الأوقية قبيل الاجابة قلت في نفسي لم تعد لتلك النقود أي أهمية فقد مضى زمنها والقادم من الزمان والمكان لا يصلح لها ولا تصلح له ، وقد جاء من يطلبها و كمثل باقي الرفاق أبدلتها خيرا منها في قادم الأيام .
مشهد آخر كان له الوقع في النفس فبخروجنا من بوابة موريتانيا التفت خلفي في مشهد يشبه النظرة الأخيرة وبالكاد رأيت العلم الوطني يرفرف على أستحياء دون ما كبرياء منه ، هل هي كسوته الجديده ؟ أم واقع المكان و عنفوان الجار ؟ تساءلت كثيرا دون ما إجابة.
أمتار قليلة وإذ بنا في أرض صعبة يمر منها الباص وهو يحسب لكل خطوة ألف حساب تساءلت عن سبب عدم ترميم هذه الأمتار ضحك السائق وقال : هذه هي المنطقة الدولية وهناك سيارة للأمم المتحده ولا يمكن لأحد أن يرممها لأنها منطقة نزاع بين " موريتانيا" و " البوليساريو" و " المغرب " ، كان المشهد رهيبا بالنسبة لي وغير معتاد في لحظة أدركت أن " البوليساريو حاضر في المشهد بشكل فعلي أو شكلي فتلك الصخرة العملاقة هناك تضامنت مع " البوليساريو" حيث حملت على أكتافها علمه لم أستطع إلا أن أدون ذاك المشهد في فرصة قد لا تتكرر فالتصوير هنا غير مباح.
نقترب أكثر من تلك البناية الكبيرة التي تبدو أقرب إلينا من البوابة الموريتانية وقد بدت أعلامها الحمراء خفاقة وكثيرة في مشهد أقرب إلى التحدي وعرض العضلات منه إلى أي شيء آخر ، حينها تفهمت" علمي " حينما كان يرفر على استحياء ذاك حقا هو عنفوان الجار ، تلك إذن هي بوابة المغرب في منطقة " الكركرات" .....
ج3 لاحقا

تنويه (نعتذر عن عدم نشر صور نقطة الحدود الموريتانية بسبب ضياع الصور

تصنيف: 

دخول المستخدم