شعب عرف الفقر مبكرا و لما حل به الاستعمار وجده فقيرا، ثم ستقلت بلاده و هو فقير، و تتلات الأحكام مدنية و عسكرية و كلاهما معا و لم تزده إلا فقرا و افتقارا على الرغم من وفرة و تنوع الخيرات التي كشفت عنها التنقيبات و البحوث الجيولوجية.. خيرات نهبت على أيدي العصابات السيباتية منذ ظهورها أول مرة من دون مردود على البلد و ساكنته، كما ضيعت أرض نهر ه الخصبة و شطه من المحيط الأغنى بالسمك و البترول و البترول في العالم ذات العصابات، و ظل كذلك فقيرا و كأن قدره الفقر.. لا وجود له من دونه.. و ها هو اليوم، و بعد مسار ثمان و خمسين عاما من الاستقلال يغط في ذات الفقر و تذهب خيراته الوفيرة سدى لا تستفيد منها إلا طغم قليلة من المفسدين القبليين الشرائحيين على أوتار نغمات السيبة النشاز...فلا سيارة تركب في البلد أو جرار أو ثلاحة من صنع البلد أو تركيبه، و لا بنى تحتية تسدي خدمات للحياة المدنية التي توحدت معالمها في كل أرجاء الدنيا... إنه الخواء المريع و الاستهلاك الفظيع و الضياع و التضييع.. و يغني المستفيدون من عقلية السيبة الظالمة الجاهلة الكسولة المتحايلة على الدين و البلد و لا يبكي الشعب الدي لا يملك دموعا تحزن أو تحس أو ترفض.
وا حسرة على وطن الغبن
في كل مرة أعود فيها إلى الوطن من بعض بلاد الله الواسعة، تنتابني حالة من الحزن و ينقبص قلبي و تتحسر نفسي من هول المفارقة بين الذي جئت منه لتوي و بلادي التي يسكن حبها مهجتي و أحشائي.. انقباض نفس يكاد يزهق الروح من هول الفرق في البنى التحتية و الحالة الصحية و النفسية للناس.. و كأنما هنا لم يمر علينا يوما قطار التحولات الذي أخذ السكة منذ قرون.. و كأن الأرض أيضا لاتنبت و الناس صيام على أديمها.. ضعف شديد يعتري الأبدان، يقلص قاماتها و يغرز عيونها في الجماجم.. و من حيث أتيت القامات طويلة و الأبدان ملآى نحضا و شحما و العيون متفتحة باسمة، وجوهها الناضرة.. و في المطار تقرأ الوطن و حال أهله... كتاب مفتوح مغبر و هزيل المحتوى.. و على وجه الغلاف الأخير يشد انتباهك فصل سقيم من العنتريات و الأمجاد الأسطورية عن أمة يذيبها التخلف و يطحنها الغبن و يذلها الجهل و ترهقها عصابات النهب و الغدر السيباتي المزمن بلا حياء أو وخز من ضمير.
لم تعد التماسيح تذرف الدمع إلا من عين
و لما لم يغب بعد الرجل الأول و يترك قيادة المرحلة المقبلة لغيره فقد بدأ أصحاب النوايا المتملقة من الحاشية المقربة و الأقربين دون غيرهم و بطانة السوء تذرف دموع تماسيح النفاق من عين واحدة تاركة الثانية للفرح بالرئيس المقبل. و هدا الأمر تفضحه منذ تصريح ولاتة بعدم الترشح لمأمورية ثالثة، التحركات الجديدة على لعبة الشطرنج السياسوي بكل وقاحة و بعد عن المنطق السليم و الحس الوطني و الغيرة على البلد و الحرص على حكامة مستقيمة، متنورة فنية و حيوية. و فيما اضطرب البعض منهم اضطرابا عراه فإن البعض الآخر بدأ يغازل كل من ذكر أنه مقدم للمرحلة التالية. فإن هؤلاء و مثلهم كثير يعبئون من جديد قبليا و مناطقيا و شرائحيا و بشراء الضمائر الوسخة و الذمم العفنة لمأساة الوطن فتراهم يضربون أخماس جهل المجتمع في أعشار تخلف البلد و يسدون الأبواب بعوارض العقلية المتحجرة على أدران السيبة. فهل يستقيم عود و ظل أعوج.
التاريخ بين التهكم و الابتزاز
لولا الاسبان ما كان لولاتة أن تنفض بعضا من غبار القرون الذي تجمع على سيئ حال البقية من معالمها المهجورة.. و لولا صبرهم على حملة الاستهزاء التي أعقبت مقدمهم إليها منذ ثلاثة عقود و تسفيههم في إعادة الروح إلى بعض الحرف ابتي كانت شائعة فيها كالخزف الطينيقول المشوي. لق صبر الاسبان. استهزاء الجاهلين قيمة التاريخ و أهمية إعادة الحياة إليه لقراءة الزمن و الأحداث، حتى أصدروا كتابا رائعا من الصور الناطقة بكنوزها.. نعم إنهم الإسبان الذين بعثوا منتحت الرمال مباني عتيقة و كنوزها من المخطوطات و الأواني ثم رممموها و أعادوا بعضها لأحفاد أحفاد من بنوها. و أما نحن فلم نكترث لهذا الإرث إلا لننال به موسميا بعض الفوائد المادية العابرة منزوعة بالتحايل من الخزينة العامة. و هو الأمر الذي ينطبق بتاتا على المخطوطات التي اهتم بها الألمان بعيد الاستقلال و باتت من بعدهم و بعيدا عن قيمتها التاريخية و الحضارية و الجمالية مصدر ابتزاز موسمي كدلك من ذات خزينة الدولة. كما ينطبق الأمر في ثلاثية الاستهتار بحقبة الجهاد التي شوهت في الشكل و المضمون و أصبحت مصدر استدرار من الخزينة العامة في كل موسم و عند كل مناسبة. فهل بهذا يبنى تاريخ الأمم و يرفع لبلدانها شأن؟
حظوة المختارين
وتبارى ذات الشعراء من صف االمختارين في ليلة الافتتاح بالقصائد التي لم تخرج عن مألوف من القول، و تبعهم الغاوون بمالوف اللحن و الانشاد، و اهتز الوزراء و المسؤولون طربا و قد أبانوا عن غبطتهم في مبتدئ أيام استجمام و استرخاء بعيدا عن طغط العاصمة و روتين الراحة فيها.. و تحركت جموع المدعوين الذين تم انتقاؤهم مرة أخرى في نواكشوط بكل أوجه المحسوبية و الانتقائية و القبلية و الجهاتية على حساب ميزانيات الوزارات و الؤسسات العمومية أكلا و شربا و سكنا و نقلا بعابرات الصحاري، من حول الشادين و الشعراء و الراقصين و الماجنين و المزمرين.. و أما سواد الشعب الأعظم فكان يعزي نفسه في عدم مقدرته على الحضور بالتحملق حول التلفزيونات و عبر الاقمار الاصطناعية لمتابعة البث الحي لفصول التكرار على خلفية نسوة يبعن الخرز و بعض المنتج التقليدي البسيط و معرص ممجوج المحتوى من مخطوطات تعبت من أثر التنقل و ذكر مناقب مقاومة لا يعرف عنها المقدمون لها إلا بعضا من الأساطير و شهادات المستعمر في سطحية التناول.
تصنيف: