لقد كان اللفيف، وخلافا لما يدعيه بعض الجاحدين، متطوعا على الدوام، وكانت لديه "لازمة" يشترطها على المتهمين السياسيين؛ وخصوصا قادة اتحاد القوى الديمقراطية عهد جديد، وقادة التيار الإسلامي! وما زلت أتذكر، ولعلهم كذلك، اللحظة الزمنية التي اشترطنا فيها ذلك الشرط على قادة التيار الإسلامي، لأنها لحظة فارقة:
كان الزمان عشية السابع من يونيو 2003، أما المكان فسجن "بيله" التاريخي سيئ الصيت. وكان يعمره يومئذ سجناء التيار الإسلامي قادة وأئمة وشيوخ محاظر.. وكانوا مدعوين للمثول أمام قاضي التحقيق صباح غد (الأحد 8 يونيو)فزرتهم أنا والعميد ذ. إبراهيم ولد أبتي لنفقههم في دين التحقيق ونرد على جميع أسئلتهم في ذلك الميدان. ولما انتهى اجتماعنا بهم قبيل صلاة المغرب قال لنا الشيخ محمد الحسن ولد الددو حفظه الله: "نحن نشكركم جزيل الشكر على ما تقومون به من جهود مضنية في سبيل الدفاع عنا". فأجبته قائلا: "أيها الشيخ، لا شكر على واجب. إن هذا الموقف يمليه علينا واجب الدفاع عن حقوق الإنسان وعن المظلومين والمعتقلين من أبناء الوطن؛ وخاصة العلماء والأئمة، ولا نسألكم عليه من أجر إلا ما سألناه من الجماعات الأخرى؛ وخاصة قادة حزب اتحاد القوى الديمقراطية - عهد جديد (الرئيس أحمد ولد داداه والوزير محمذن ولد باباه) ألا وهو: أن ينتهج من يصل منكم إلى السلطة نهج الديمقراطية ويصون ويحمي الحريات العامة".
وقد أردف الأستاذ إبراهيم ولد أبتي قائلا: "يا جماعة، نحن نقوم بهذا العمل تطوعا ودفاعا عن الحقوق وصيانة للحريات العامة، ونساوي فيه بين جميع المظلومين والمعتقلين والمتهمين دون تمييز؛ وعندما يعتقل الرئيس معاوية غدا فسيجدنا إلى جانبه وسوف ندافع عنه". ثم خرجنا من عندهم. وبينما كنت ساهرا في حدود الثانية صباحا أحضّر الملف الأول من تلك الملفات، وكان ضخما لكثرة ما تضمنه من اعترافات فضولية، بدأ القصف الجوي على رئاسة الجمهورية، وزحفت عليها دبابات النقيب عبد الرحمن ولد ميني.
... وبزغ فجر حركة 3 أغسطس المباركة بعد ذلك بسنتين فبادرنا باحتضانها رغم شكلها العسكري الانقلابي البغيض،وحدوناها حتى عبرت ببلادنا المنكوبة إلى بر الأمان.
وكتبت يومئذ إلى تلك الحركة رسالة بعنوان"رسالة مفتوحة إلى فجر يوم أغر" تعبر عن مشاعري اتجاهها وتؤسس لموقف علمي صائب منها؛ جاء فيها:
"سلام عليك يا أجمل صباح باكر عيوننا البائسة، بعد عقود عشش فيها الذل والهوان والإحباط في نفوسنا، ونخر قلوبنا وعقولنا سوس البغي والفساد والجهل والفقر والمرض.
جئت متأخرا جدا.. ولكنك أتيت!
عشرون سنة ضاعت من عمرنا، هلك فيها الحرث والنسل!
ليتك كنت أتيت قبل انهيار الدولة، وخراب الاقتصاد والتعليم والصحة وفساد القضاء والإدارة والمجتمع!
قيل في حياة عرب العولمة: ... وحده الموت يصنع التاريخ ويحدث التغيير ويخلق التناوب... وفي غيابه يغيب الأمل! وها هو بحضوره في غياب فهد يحمل أملين: تتويج عبد الله ملكا في السعودية .. فلعل وعسى! ورحيل معاوية دون إراقة دم عن شعب جثم عاتيا على صدره واحدا وعشرين عاما!
جئت متأخرا جدا.. ولكن كيف أتيت؟
انقلاب عسكري ومجلس عسكري؟
ما أبغضها كلمات عند الله، وأبعدها عن الديمقراطية والشرعية الدستورية التي يتباكون عليها اليوم.. كأننا نعيش في كوكب آخر! وكأن الموريتانيين عرفوا في حياتهم الدنيا طعم ثمرة لم تجد بذرتها طريقها قط إلى تربتهم الطيبة المعطاء! من لم يصْلَ جحيم الهوان الذي هبطنا إلى دركه الأسفل، ليس له الحق في الكلام.
فجر الثالث من أغسطس الوضاء البهي؛
أمن العدل أو العقل أن لا نبالي بمقدمك الميمون؟ أو أن نعرض عنك بردا وسلاما عصف بالطاغوت وشرع بابا - أوصد عقودا- عجزت كل القوى والوسائل والأساليب السلمية وغير السلمية عن فتحه، وقد قطع الطغيان السبل واستنفد الأسباب وجيّش آفاتالداخل والخارج كي يستمر حكمه، وينفذ أمره!
أيها الفجر الجديد..
من تعاليم الحياة أن الانقلابات شتى؛ منها انقلاب موبوتو في الكونغو، وبوكاسا في وسط إفريقيا، وولد محمد السالك ومعاوية في موريتانيا.. ومنها انقلاب عبد الناصر في مصر، وكيتانو في البرتغال، وسوار الذهب في السودان، وتوماني توري في مالي. الصنف الأول كان نقمة ووبالا على الشعوب ودمارا وخرابا لما بنته البلدان. والنوع الثاني حقق بعضه التحرر من الدكتاتورية، وجلاء القواعد الأجنبية، وآل البعض إلى إرساء الديمقراطية والتناوب السلمي، وعودة الجيش إلى ثكناته!
فكن أنت:
- بشير خروجنا من الحرب الأمريكية الإسرائيلية على الإسلام؛ حلفا، وجيوشا، وقوانين. وأمل انعتاق الشيوخ والأئمة والعلماء والضباط الأحرار من محنتهم.
-جهادا ضد الفساد المستشري والنفاق السائد.. والمنافقين الأراذل.
- انتصارا للديمقراطية الصحيحة وعودة الجيش إلى ثكناته.
أنت عيدي إن كان هذا وإلا ** لست عيدي ولست عيد لداتي".
وقد كان كذلك فعلا!
يتبع
بقلم الأستاذ محمدٌ ولد إشدو
تصنيف: