ساستنا.. متى تستيقظون ؟

يعمل المرء نهارا وينام ليلا. هذه حقيقة من البداهة بمكان. إلا انه يوجد اليوم في موريتانيا استثناءات غريبة لهذه المسلمة الكونية. لأن جما من الناس يخالفونها عندنا : ينامون نهارا وينامون ليلا. فهم مصابون بنوع خاص من مرض النوم سببه ليست ذبابة التسي تسي.

.لفهم هذا النوع غير المألوف من مرض النوم ينبغي البحث عن العلة خارج علم المكروبات: من خلال رصد الضحايا.لأن هؤلاء المرضى قوم من نوع خاص.إنهم "ادمغة ممتازة"..هم نشطاء  مؤثرون.. فاعلو ووسطاء رأي لهم حضور قوي في الساحة العامة حيث يثيرون الكلام على أنفسهم معلنين  طموحات كبيرة لديهم : يريدون السلطة ولاشيء غير السلطة. يريدونها كاملة وفورا.

وسبيلهم للوصول إلى مبتغاهم هو ادعاؤهم العظمة بينما هم يغطون في سبات فكري عميق...غير قادرين على إنتاج خطاب مقنع ومفيد.

وعلى الرغم من عجزهم، فإن لهم حضورا شديدا بيننا: نلقاهم في كل مكان وتحت كل اليافطات، سواء كانوا متضامنين فيما بينهم أو متصارعين.

ففي جانب الأغلبية الرئاسية يتميز هؤلاء النُّوَمُ بانعدام المبادرة وبالانتظار وبغياب كل مخاطرة. بل يمكن القول إنهم لم يستمعوا قط للرجل المحسوبين عليه.. الذي عليهم ان يكونوا مُتَّقاهُ ومِجَنَّه !

والا فكيف نفهم عدم سلوكهم طريقا اختطها قائدهم الرئيس ولد عبد العزيز المعروف بشجاعته وركوبه للمخاطر!!

لماذا هؤلاء الذين يعلنون ولاءهم له لم يقتبسوا من منهاجه ؟

لِمَ لَمْ يخرجوا من كسلهم.. من صمتهم.. و من تبعيتهم؟

لماذا ينتظرون دائما ان تكون المبادرة من الرئيس دافعين قائدهم إلى أن يكون دائما في الخطوط الأمامية.. مع أن دورهم هو أن يشكلوا حزاما مانعا حوله لتلقي الضربات الاولية ولتخفيف الصدمات؟

أما من جانب المعارضة فان العجز عن إنتاج أفكار مجددة تجمع وتعبئ حول برامج واضحة المعالم لا يحتاج إلى بيان .

وتجدر الإشارة هنا ـ لتفادى أي لبس ـ إلى أن المعارضة ليست مكونة  من قطب وحيد متجانس ف"المنتدى" مختلف عن "التحالف" وعن "الوئام" وعن  "قوس قزح" ... حتى لا نذكر إلا هذه المجموعات أو التشكلات السياسية الاربع التي لكل واحدة منها خصوصياتها المميزة .

وبالرغم من تباينها يتبادر إلى الأذهان أن الخطاب الذي غالبا ما يبرز إلى الواجهة عندما نتكلم عن صف المعارضة عموما يتلخص في كلمة واحدة متبوعة بعلامة تعجب : "لا !".

كلمة واحدة قصيرة جدا تتكون من مقطع واحد. لكن إيقاعها عنيف. فهي قوة رفض قاطع لأي شيء، إعلان حرب على كل شيء :لا للانتخابات..لا للحوار السياسي..لا للانظمة القائمة.. لا لكل ما يصدر عن الخصم وعن الغير (احتفالات,ندوات,نقاشات, مأدبات...)...

وبوصفها أداة رفض قوي، تنم "لا" ـ هذه ـ عن انسداد شديد على مستوى نخبنا وعن عدم نضج في حوارنا السياسي .حيث يبقى هذا الأخير رهينة لعقلية عقيمة مشبعة بغياب الثقة بين الأطراف وبروح الاتهام والنزاع ...وموسومة بالعنف اللفظي الذي كثيرا ما يتبادله الفاعلون المتعارضون .

هذه النتيجة الحزينة تستدعي ضمائرنا. لأنه من المؤسف أن يكون ما يسمى "رجال سياستنا" مستمرين في حالة من السبات المتمثل في لا مبالاتهم الدائمة وفي جعل الولاء والإنتماء السياسي بضاعة تعرض وتباع في أسواق الاستفتاءات لحد جعل الأكثرية الساحقة من الأحزاب في بلادنا تمتهن "الإِيجَارَ الاِنْتِخَابِي"  كما يقول عنها الكاتب والمحلل، السفير السابق : المختار ولد داهي.

  ومهما كان التفسير الذي يمكن أن  نؤول به هذا السلوك، و مهما كانت الاختيارات والتوجهات السياسية والإيديولوجية لأصحابه، فهؤلاء عاجزون. فهم قوم نُوَمُُ طالما أنهم لم يجدوا من طريق لممارسة السياسة سوى الهروب إلى الأمام في  التخاصم وفي المتاجرة بالخطاب.

ولاشيء يؤشر لحد الآن إلى اللحظة التي سيرن فيها جرس استيقاظهم .

فيا لها من خسارة للبلد ‼.

                                                البخاري محمد مؤمل.

تصنيف: 

دخول المستخدم