دبلوماسيتنا على هامش الروح الصامتة (الجزء الأخير) ⃰

... في تلك اللحظة انقطع الضوء في القاعة.. وظهر عنوان كبير على الشاشة :  " الروح الصامتة"... وانقطع معه الحديث بيننا.

وبما أنه سبق لي - خلافا لاحمد - مشاهدة الفيلم مرات عديدة على جهاز الكمبيوتر، فإن تركيزي عليه كان ضعيفا رغم أن هذه هي أول مرة يعرض أمامي على الشاشة الكبيرة. بل بقيت أفكر فيما كان يقوله صديقي حول حيوية دبلوماسيتنا وحول ما ذكره من قصور إعلامي بشأنها.. مستنتجا أن محدثي كان على  صواب : يجب المسايرة الإعلامية للروح المهنية العالية التي يتحلى بها ربان سفينة سياستنا الخارجية والتي يعمل على جعلها خطا عاما وسلوكا جمعيا يتقيد به كل العاملين في القطاع.

 وتضايقت من كون هذا النقص في الاتصال راسخا بقوة لدى المسؤولين عندنا.. ولا يقتصر على قطاع الخارجية الذي يشرف عليه الدكتور إسلك ولد احمد إزيد بيه. فرغم أن جهود هذا الرجل وتفانيه في مهمته الدبلوماسية التي يؤديها كبوابة سياسية و كبوابة إعلامية للبلد، بدأت تؤتي أكلها، فالحاجة إلى المزيد من الاتصال ما زالت قائمة.. كما أن وزراء الدولة وقطاعاتها الأخرى لا يستثمرون بما فيه الكفاية في الفضاءات الإعلامية؛ مما يترك الباب مفتوحا على مصراعيه في كثير من الحالات أمام مناوئي النظام والدولة، سواء منهم من يتصرف علنا تحت لواء " المعارضة السياسية".. أو من منهم يتحرك تحت غطاء ذرائع شخصية يستهدف بسببها "الوزير الفلاني" أو "المدير الفلاني" مستخدما المسؤول الذي يذكره بالاسم أو بالوصف  كمطية خفية يهاجم عبرها رئيس الدولة والنظام دون أن يقدر على التصريح بذلك  طمعا منه في أن "يعاد له الاعتبار قريبا"، وفق حساباته الشخصية.

ولمواجهة هؤلاء جميعا وغيرهم من الانتهازيين ومن ناشري المعلومات المغلوطة أو من مشوهي الحقائق، كنت - وما زلت - أتصور أن الأمر يتطلب خطة عملية  لدى كل وزارة؛

خطة تبين كيف ينبغي بث المعلومة الصحيحة والسليمة بشكل يقي مما سواها وكفيل بمقارعته بفعالية في حالة نشره ؛

خطة تتضمن إستراتيجيات إعلامية واضحة مرسومة على المستوي الوطني وعلى مستوى كل قطاع ومعَدَّة بالوسائل اللازمة. وهنا، يجب أن لا نبخل أو نقصِّر علما أن المنتج الإعلامي في عصر التتقنيات الجديدة للإعلام و الاتصال (NTIC**) يشكل سلعة ثمينة هي أفضل وأغلى ما ينبغي الاستثمار فيه اليوم.

كما ينبغي أن يكون قطاع السياسة الخارجية على رأس المستفيدين من ذلك المجهود الإعلامي.. خاصة أن القطاع يسير اليوم في اتجاه جديد يقوم على تحريك ساكنة الركود الإداري العقيم والممارسات المريبة وما ينجم عن ذلك من نفض غبار قد يكون ملوِّثا إن لم يتم التعامل معه بفعالية من الناحية الإعلامية.

و ظل انتباهي شاردا يتنقل بين هذه التصورات وما يلوح عبرها  من حلول موضوعة واكراهات مطروحة في مجال الاستراتيجيات الإعلامية  إلى  أن عادت الإنارة من جديدة إلى داخل القاعة.. ومعها توقفت "الروح الصامتة" التي كانت صورها تتدفق متتالية على الشاشة.  

بعد ذلك بنصف ساعة تقريبا- أي بعد نهاية النقاش حول الفيلم - قال لي احمد ونحن نتأهب للخروج من قاعة العرض:

"لازم أن نلتقي بعد غد في بيتي لنتناول العشاء معا."

ثم ودعني.. في حين كان بودي أن أساله عن انطباعه عن الفيلم وأن أتبادل الرأي معه حول ما كنت أتصوره وما خلصت  إليه على هامش العرض السينمائي خلال تفكيري في موضوع ضرورة  استراتيجيات إعلامية للدولة ولقطاعاتها المختلفة.. بينما كان هو منهمكا آنذاك في متابعة الفيلم.

غير أنني لم أبح له برغبتي.. مؤجلا الموضوع إلى بعد غد إن شاء الله.

البخاري محمد مؤمل

------------------------------------------- 

*       لقراءة الجزء الأول من هذا النص أو العودة إليه، اضغطوا : هنا  

** nouvelles technologies de l’information et de la communication

تصنيف: 

دخول المستخدم