تحتاج المؤسسات الإعلامية إلى خط تحريري يحدد مجموعة المبادئ والقواعد والخطوط العريضة التي تتحكم في أسلوب وطريقة تحرير وإخراج مبثوثاتها، والمواضيع التي تخوض فيها، والزوايا التي تتناول منها مادتها المحررة، ويشكل الخط التحرير لأي مؤسسة إعلامية جزءا لا يتجزأ من شخصيتها العامة، وناظما لمسارها المهني، ولا يتنافى وجود الخط تحريري مع المهنية والحرفية والموضوعية المنشودة في وسائل الإعلام، بل إن غياب خط تحرير معلوم القواعد والحدود، يحيل ـ في الغالب الأعم ـ المؤسسة الإعلامية إلى حالة من التذبذب القاتل والتراوح بين المد والجزر ذات اليمين وذات الشمال، والميوعة التي تضرب مصداقيتها في العمق، كما يضربها الخط التحريري غير المهني، أو المنطلق من خلفيات لا تراعي قواعد المهنة وأساسياتها.
وتماما كما تحتاج المؤسسات الإعلامية إلى خط تحريري مهني، فإن الحملات الإعلامية ـ خصوصا في المواسم الانتخابية ـ تحتاج هي الأخرى إلى خط تحريري صارم واضح المعالم يرسم لها مبادئها والخطوط العريضة التي تتحرك فيها، ترويجا ودعاية، كما يحدد لها قواعد الاشتباك مع الآخر المنافس، ومساحة المجادلة وزوايا المغالبة والمناكفة، ففي مثل هذه المواسم الانتخابية تتحول دائما مخرجات الحملات الإعلامية غير المضبوطة إلى نيران صديقة تلحق الضرر بجهة إطلاقها أكثر من تحقيق أهدافها المقصودة، خصوصا حين لا يكون هناك خط تحريري ناظم لشتات من حملة أفكار متباينة وأصحاب خصومات ومشاحنات متنوعة، فلا يكفي أن يرفع كل امرئ لافتة بدعم مرشح ما، أو مساندة جهة ما، ثم يضرب يمنة ويسرة حيث شاء وكيف شاء، فيصيب الأداني قبل الأباعد، ويذود المخلصين ويدفعهم إلى صف المخاصمين.
فهناك مسلمة لا شية فيها، ينبغي أن تنطلق منها كل رؤية دعائية أريد لها النجاح، وهي أن الدعاية الإعلامية ليست مجرد مخرجات ـ طائشة أحيانا ـ تغرق بها وسائل التواصل الاجتماعي وواجهات المواقع الإلكترونية، وشاشات التلفزيونات، ولا مقالات تحبر تمجيدا مفتعلا، أو قدحا مبتذلا، فالإطراء الفاضح مدعاة للنفور والإعراض، والقدح البذيء الخادش يسبب التعاطف والتناصر.
ألم تر إلى الذين يتبجحون على شاشات التلفزيونات وفي بيانات بعض المبادرات، بالقبلية والجهوية، أو أولئك الذين يبالغون في المدح إلى حد القدح، وفي السب إلى حد الامتهان، على صفحات التواصل الاجتماعي أو عبر المواقع الالكترونية، وينقلون صراعات فكرية أو ثقافية أو اجتماعية شرقوا بها زمنا طويلا، إلى سوح حملات دعائية أريد لها أن تكون ناعمة جامعة داعمة، لا مشاكسة مناصبة محاربة، إن منهم منفرين حري بالقائمين على أية حملة إعلامية يزعم هؤلاء المتنطعون أنهم ظهير لها، أن يضعوا لهم حدا حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من جدوائية إقحامهم في أتون عملية دعائية قد يلحقون بها من الضرر أكثر مما يجبلون لها من نفع.
محمد محمود أبو المعالي
تصنيف: