عند إعلان إجازة الحكومة لمشروع القانون المتعلق بحماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن، سجلت ملاحظات ثلاثا طبعها التعميم والإجمال، يمكن العودة إليها في هذه الصفحة.
الآن وقد توفر المشروع وقرأته مثل كثيرين غيري، أتوقف عند الملاحظات التالية راجيا أن أسهم إيجابيا في نقاش حول موضوع حساس ومؤثر على ديمقراطيتنا المتواضعة وجانب الحريات والحقوق فيها:
1 - لا أرى أن هناك ضرورة تدفع لمثل هذا النوع من القوانين، ولا يبدو لي في سلم الأولويات التشريعية الآن، ذلك أن عددا من القوانين العامة والخاصة تناولت المقتضيات الواردة في هذا المشروع، وتضمن هذه القوانين حقوق الجميع في متابعة كل الأفعال المجرمة في مشروع القانون هذا.
2 - الصورة التي يكرسها هذا المشروع في الذهنية العامة هي صورة التقييد والعقاب والكبت، ولا يخفف من ذلك القول إن الأمر لن يكون فيه مساس بالحريات، كيف وقد جاءت الصياغات مفتوحة وتساعد في كل تكييف وتقدير من شأنه جعل كل نقد إساءة، وكل ملاحظة شتما، وكل سلوك يستهدف النيل من الروح المعنوية لمؤسسات الدولة العسكرية والأمنية.
3 - جمع مشروع القانون هذا ما لا يجتمع، أو على الأقل ما تختلف مستوياته دستوريا ومنطقيا، فثوابت ومقدسات الدين الإسلامي والوحدة الوطنية والحوزة الترابية محصنة بقوة الدستور، وتعبر عن قضايا ثابتة لا تتغير في المواعيد الانتخابية ولا حسب توجهات الناخبين أو الحاكمين، أما النشيد الوطني ورئيس الجمهورية فتعبيرات مؤقتة عن الإرادة الجماعية للأمة، فالأول يغير بقانون - ومازالت البلاد تتذكر أجواء وخلافية التغيير الماضي للنشيد - والثاني يتغير بانتخاب يمنع تجاوز مأموريتين.
ويبقى العلم مترددا بين الدائرتين فدستوريته ورمزيته تقربه من المستوى الأول، وعدم تحصينه وسابقة تغييره التي حدثت في الأجواء المذكورة سابقا لا تبعده عن المستوى الثاني.
4 - وردت في مشروع القانون جمل وصياغات لا تناسب وتحيل إلى جدية المخاوف من سوء التكييف والتقدير، فعن منع تصوير قوات الأمن "أثناء أداء مهامها دون إذن صريح من القيادة المسؤولة"!!! وعن المسؤول العمومي "وكذلك كل تجريح لمسؤول عمومي يتجاوز أفعاله وقراراته التسييرية إلى ذاته وحياته الشخصية " !!!!
ثم اعتبر المشروع أن ممارسة النيابة للدعوى العمومية تتم بشكل تلقائي، كل هذا يعيب مشروع القانون هذا.
5 - لا تشكل الملاحظات السابقة أي قبول ولا تبرير لظاهرة التجاوزات واستسهال الأعراض والاعتداء على الناس كل الناس في خصوصياتهم، فذلك أمر يحتاج تفعيل القوانين الموجودة، والشجاعة في اللجوء إلى القضاء مع محترفي الشتم والقذف والنيل من شرف المواطن أوالمسؤول، مع أن للحرية في مراحل الانتقال الديمقراطي ضريبة وكلفة لا يشكل تحملها ضعفا ولا استسلاما.
على سبيل الخلاصة أرى أن الأنسب والأسلم هو أن تسحب الحكومة مشروع القانون هذا، وهذا بالمناسبة ليس ضعفا بل هو سلوك ديمقراطي ومدني إذا اجتمعت أسبابه، وإن لزم الأمر أو شبهه لاحقا، يخضع لما يكفي ويناسب من التشاور والتنقيح والتعديل.
المصدر: صفحة محمد جميل منصورعلى الفيسبوك
تصنيف: