عُرِف الأستاذ احمد سالم بوحبينى بقربه من رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو وبارتباطه القوي به في المعاملات، حيث تولى الدفاع عنه لدى العدالة وعن حلفائه السياسيين مثل السيناتور الأسبق محمد ولد غده.. وحيث ورد أسمه مرارا في قضايا تتعلق بصديقه ولد بوعماتو.
والعلاقة الوثيقة الملاحظة بين الرجلين في مجال المعاملات تتجلي أيضا من خلال مواقفهما السياسية : كلاهما معارض عنيد للرئيس محمد ولد عبد العزيز.. ومن الوارد جدا أن يكون بينهما تنسيق وتعاون بهذا الشأن.
غير أن ولد بوحبيني اصدر اليوم بيانا يحيي فيه ويهنئ القوات المسلحة. ورغم أن هذا التصرف جاء بمناسبة عيد هذه الأخيرة، فإنه قد يبدو محيِّرا للبعض.. أو على الأقل مدعاة للتأمل.
نص البيان
"بمناسبة عيد الجيش، يسعدني ويشرفني أن أبعث بالتحية والإجلال لقواتنا المسلحة وقوات أمننا الساهرة على أمن الوطن و حراسة حوزته الترابية.
كما يسرني أن أثمن النجاحات الهامة التي حققها جيشنا في مهامه الإقليمية في الفترة الأخيرة، خصوصاً في جمهورية وسط أفريقيا، متمنيا له مزيدا من التطور و الازدهار المعنوي و اللوجستي مع التفرغ لمهمته الدستورية النبيلة المجمع عليها من طرف جميع الموريتانيين و المتمثلة في حراسة الحوزة الترابية و الحفاظ على أمن البلد و الدفاع عنه.
وفي الأخير أترحم على أرواح شهدائه الأبرار الذين قضوا دفاعا عن الوطن.من طرف الاستاذ احمد سالم بوحبينى"
الرئيس محمد ولد عبد العزيز أول المعنيين بالبيان
من المعروف أن قيمة المؤسسات العسكرية وفعاليتها وحتى طبيعة علاقاتها مع الغير تستمدها من مسؤوليها وقادتها و رؤاهم الإستراتيجية التي تعمل تلك القوات على ضوئها. ويعتبر الرئيس محمد ولد عبد العزيز قانونيا هو المسؤول الأول عن القوات المسلحة الموريتانية بوصفه قائدها الأعلى وفقا لنص الدستور. فهو إذا أول من يقصده ولد بوحبيني إن نحن اعتمدنا على التأويل القانوني لبيان هذا الأخير.
أما فيما يعني الدوافع الأخلاقية أو السياسية المعلَنة لولد بوحبيني، فإنها تتعلق حسب بيانه بالنجاحات التي حققتها القوات الموريتانية، حيث كتب "يسرني أن أثمن النجاحات الهامة التي حققها جيشنا في مهامه الإقليمية في الفترة الأخيرة، خصوصاً في جمهورية وسط أفريقيا".
وقد صدق قي قوله هذا، حتى وإن كان بوسعه هنا أن لا يقتصر سبب اعتزازه بمن يهنئهم على ما قيم به في جمهورية وسط إفريقيا. فكان من الأجدر به أن لا تبدو رؤيته مبتورة الجوهرعلى هذا النحو، لأنها ناقصة كثيرا كما عرضها. فكان عليه أن يركز على الحالة الأمنية العامة التي ينعم بها البلد منذ سنوات والتي ينوه بها ويعترف جل المراقبين والشركاء الأجانب.. وكذلك الخبراء الدوليون ومعاعد دراسات استراتيجية ذات مصداقية عالمية كبيرة مثل "معهد الاقتصاد والسلام" (Institue for Economics and Peace(IEP الذي يصنف جزء موريتانيا منذ سنتين ضمن البلدان التي يعتبر الإرهاب فيها " بغير أثر" حسب تقريري مؤشر الإرهاب الدولي (GTI : Global Terrorism Index ) لسنة 2016 وسنة 2017. وهذا التصنيف في تحسن مستمر منذ 5 سنوات على الاقل حسب هذا المعهم حيث ارتقت بلادنا حسب تقاريره من مستوى الدول التي فيها "الإرهاب ذا أثر ضعيف" عام 2013 إلى مستوى "بغير أثر" الآن كما أسلفنا.
وهذه النتائج في مجملها- سواء ما تعلق منها بمشاركة موريتانيا في "القبعات الزرق" التي أشار إليها الأستاذ ولد بوحبيني، أو ما تعلق منها بسياسة البلد العامة في مجالات الأمن والدفاع، وأثر هذه السياسة داخليا وخارجيا- تشكل ثمرة للرؤية الإستراتيجية للرئيس محمد ولد عبد العزيز وفريقه ولإصراره الرئيس شخصيا على التقيد برؤيته رغم الصعاب المتعددة التي اعترضت سبيله.. والتي كان من أشنعها مواقف "المعارضة المقاطعة" التي ينتمي إليها ولد بوحبيني.. والتي كانت تصف هذه الرؤية بكونها مغامرة عمياء.. وبكونها "حرب بالوكالة" خطيرة.. ستقود البلد إلى ما لا تحمد عقباه، حسب ما كانوا يروجونه.
الخلفية السياسية لبيان ولد بوحبيني
هل غيَّر الاستاذ احمد سالم بوحبينى رأيه، وصار يعترف بصواب سياسة ولد عبد العزيز في مجال الدفاع والأمن- كما يُستشف من قوله حينما كتب أنه يثمن " النجاحات الهامة التي حققها جيشنا"؟ أم أنه لا يربط هذه النجاحات بسياسة الدولة الموريتانية؟
أم أن له مآرب سياسية أخرى خفية يبتغي بلوغَها من وراء ما كتبه؟
يلاحَظ فعلا في الآونة الأخيرة تغير في طريقة تعاطي "المعارضة المقاطعة" مع القوات المسلحة. لقد كانت في السابق تعتبرها جزءا من خصمها السياسي –حتى لا نقول عدوها- الذي هو النظام.. وتتعامل معها على ذلك الأساس.
أما اليوم فإن أطرافا من هذه المعارضة تحاول التقرب من الجيش وقوات الأمن باعتمادهم أحيانا خطابا "ناعما".. و تارة أخرى عبر توجيه نداءات إلى الجيش وقوات الأمن.. نداءات لا يوضح مرسلوها بشكل صريح ومعلن مغزاها الحقيقي. نذكر منها على سبيل المثال نداءا محيِّرا صدر عن مسؤولة الإعلام في حزب احمد ولد داداه خلال الحملة الدستورية الماضية.
لا حاجة إلى بيانات التهنئة.. كما لا داعية للتهجم
ومهما كان قصد الجميع – معارضة أو موالاة- ينبغي أن يبتعدوا كلهم عن محاولة الزج بالجيش في صراعاتهم السياسية ومناوراتهم الخفية. فهو في غنى عن بياناتهم المؤيدة كما أنه لا ينبغي أن يكون هدفا لقذفهم وتهجماتهم.
ففي البلدان المتقدمة والديمقراطية، ينأى الفاعلون السياسيون - باستثناء من كانت وظيفته الرسمية في الحكومة أو في البرلمان تتعلق مباشرة بأمور الأمن والدفاع - يناون بأنفسهم وبنشاطاتهم بعيدا عن قوى الدفاع والأمن : فلا هم يوجهون لها بيانات تهنئة وتأييد.. ولا هم يتهجمون عليها.
ومثل هذا السلوك جدير بسياسيينا في موريتانيا خاصة من يعملون منهم في مجال القانون مثل الأستاذ احمد سالم بوحبينى.
فعلى هؤلاء أن يعطوا المثل في تعاملهم مع أدوات الدفاع والأمن حتى يساهموا في توطيد مفهوم الجيش الجمهوري في أوساط القوات المسلحة ولدى الرأي العام. مفهوم لا يتأتى إلا في ظل دولة القانون التي لا يبخل الأستاذ بوحبيني جهدا في النداء بها.
البخاري محمد مؤمل
رئيس مركز أم التونسي للدراسات الإستراتيجية
( COTES)
تصنيف: