قبل سنوات قليلة كنت أقود قطيع أحلامي المشتت نحو مراعي العمر، فرحة بما لدي من عتاد ووسائل، مسترسلة في ابتساماتي المشعة، عابثة بكل مواعظ الحياة، أنثر الدلال أين ما حللت، يتحلق حولي الأحباب، يختار الموت ضحاياه بالقرب مني لكن دون أن يخدش عصب الألم في روحي.. ثم لم أدري إلا وأنا الشاهدة المفجوعة على رحيل وجوه الصف الأمامي في حياتي: الذين شكلوا دائرة الأمان والطمأنينة في طفولتي، جدي وأصدقاؤه و معارفه.
رحلت تلك الوجوه الوقورة و الأصوات المنغمة،إلى غير رجعة، ومازالت تسقط مع كل صفعة للغياب إحدى "أوراق الأغاني من القلب لتسكنه العتمة.
اليوم يشتد أوار الفقد برحيل الوالد دعلاهي ولد سيد أمين، صاحب الصوت الرخيم والخلق العظيم، دعلاهي كتلة من الحكمة تجسدت في روح بشرية طاهرة، شكلت مدرسة للقيم والأخلاق ضن الزمان بمثلها، منه تعلمت أن التعالي يكون فقط عن إساءة الآخرين إلينا وأن التكبر يُقزمنا، تعلمت منه أن كل الأمور الدنيوية أبسط من أن تستفزنا وتعلمت منه أن أولى قواعد السلام النفسي والداخلي أخذ الأمور ببساطة تجسيدا للمقولة الشهيرة: (ما خْسَرْ شِ والى اخْسَرْ شِ گاع ماخْسَرْ شِ)، ليتني استطعت أخذ موته بنفس البساطة، لا شك أن من غابوا عنا واتخذوا من الأفول مطية كانوا أقل موتا منا، وأكثر منا حياة!
اللهم أجبر خواطرنا و أرحم جدي أحمد ولد حمين و كل من قضى نحبه من أحبائه وخلانه، اللهم ارحم عبدك دعلاهي ولد سيد أمين برحمتك التي وسعت كل شيء.
أعزي نفسي و ذكريات طفولتي ثم أعزي عائلة أهل سيد أمين الكريمة وأهل الشيخ محمد المامي عامة.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
تصنيف: